الوجه السادس: أن الفاعل «كَمْ» - قاله الحوفي، وأنكره على قائله لأن «كَمْ» استفهام لا يعمل فيها ما قبلها.
قال أبو حيَّان: وليست «كَمْ» هنا استفهامية بل هي خبرية.
واختار أن يكونَ الفاعل ضمير الله تعالى، فقال: وأحسَنُ التخاريج أن يكون الفاعلُ ضميراً عائداً على الله تعالى، كأنَّه قال أَفَلَمْ يبيَّن الله، ومفعول يبين محذوف، أي العبرَ بإهلاك القرون السابقة، ثم قال:«كَمْ اهْلَكْنَا» أي: كثيراً أهلكنَا، ف «كَمْ» مفعولة ب «أهْلَكْنَا» والجملة كأنها للمفعول المحذوف ل «يَهْدِ» .
قال القفَّال: جعل كثرة ما أهلك من القرون مبيِّناً لهم كما جعل مثل ذلك واعظاً لهم وزاجراً. وقرأ ابنُ عباس وأبو عبد الرحمن السلمي «أَفَلَمْ نَهْدِ» بالنون المؤذنة بالتعظيم. قال الزجاج: يعني أفَلَمْ نبيَِّن لهم بياناً يهتدون به لو تدبروا وتفكروا.
وقوله:«كَمْ أَهْلَكْنَا» فالمراد به المبالغة في كثرة مَنْ أهلكه الله تعالى من القرون الماضية. قوله:«مِنَ القُرونِ» في مجحل نصب (نعت ل «كَمْ» ) لأنَّها نكرة ويضعف جعلُه حالاً من النكرة، ولا يجوز أن يكون تمييزاً على قواعد البصريين