قال الزمخشري: فإن قلت: الاستحسار مبالغة في الحسور، فكان الأبلغ في وصفهم أن ينفي عنهم أدنى الحسور. قلت: في الاستحسار بيان أن ما هم فيه يوجب غاية الحسور وأقصاه، وأنهم أحقاء لتلك العبادات الشاقة بأن يستحسروا فبما يفعلون.
وهو سؤال حسن وجواب مطابق. قوله:«يُسَبِّحُون» يجوز أن يكون مستأنفاً، وأن يكون حالاً من الفاعل في الجملة قبله. و «لَا يَفْتَرُون» يجوز في الاستئناف، والحال من فاعل «يُسَبِّحُون» .
فصل
دلَّت هذه الآية على أن الملك أفضل من البشر من ثلاثة أوجه تقدمت في البقرة. والمراد بقوله:«وَمَنْ عِنْدَهُ» هم الملائكة بالإجماع وصفهم الله تعالى بأنهم {يُسَبِّحُونَ الليل والنهار لَا يَفْتُرُونَ} وهذا لا يليق بالبشر، وهذه العندية عندية الشرف لا عندية المكان والجهة. روى عبد الله بن الحارث بن نوفل قال: قلت لكعب: أرأيت قول الله تعالى: {يُسَبِّحُونَ الليل والنهار لَا يَفْتُرُونَ} ثم قال: {جَاعِلِ الملائكة رُسُلاً}[فاطر: ١] أفلا تكون الرسالة مانعة لهم عن هذا التسبيح، وأيضاً قال:{أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ الله والملاائكة}[البقرة: ١٦١] فكيف يشتغلون باللعن حال اشتغالهم بالتسبيح؟ أجاب كعب الأحبار وقال: التسبيح لهم كالتنفس لنا، فكما أن اشتغالنا بالتنفس لا يمنعنا الكلام فكذلك اشتغالهم بالتسبيح لا يمنعهم من سائر الأعمال.
فإن قيل: هذا القياس غير صحيح، لأن الاشتغال بالتنفس إنما لم يمنع من الكلام؛ لأن آلة التنفس غير آلة الكلام، وأما التسبيح واللعن فهما من جنس الكلام فاجتماعهما محال. فالجواب: أي استبعاد في أن يخلق الله لهم ألسنة كثيرة ببعضها يسبح الله