ففتقها فجعلها سبع سموات، وكذلك الأرض مرتتقة طبقة واحدة ففتقها فجعلها سبع أرضين. وقال ابن عباس في رواية عطاء وأكثر المفسرين: إن السموات كانت رتقاً مستوية صلبة لا تمطر، والأرض رتقاً لا تنبت، ففتق السماء بالمطر والأرض بالنبات، ونظيره قوله تعالى:{والسمآء ذَاتِ الرجع والأرض ذَاتِ الصدع}[الطارق: ١١، ١٢] ورجحوا ذلك الوجه بقوله بعد ذلك: {وَجَعَلْنَا مِنَ المآء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ} ، وذلك لا يليق إلا وللماء تعلق بما تقدم، وهو ما ذكرنا فإن قيل: هذا الوجه مرجوح، لأن المطر لا ينزل من السموات بل من سماء واحدة، وهي سماء الدنيا.
فالجواب: إنما أطلق عليه لفظ الجمع، لأن كل قطعة منها سماء، كما يقال: ثوب أخلاق، وبُرْمَة أَعْشَار. وعلى هذا التأويل فتحمل الرؤية على الإبصار. وقال أبو مسلم: يجوز أن يراد بالفتق الإيجاد والإظهار كقوله: {فَاطِرِ السماوات والأرض} ، وكقوله:{بَل رَّبُّكُمْ رَبُّ السماوات والأرض الذي فطَرَهُنَّ}[الأنبياء: ٥٦] فأخبر عن الإيجاد بلفظ الفتق، وعن الحال قبل الإيجاد بلفظ الرتق.
وتحقيقه أن العدم نفي محض، فليس فيه ذوات وأعيان متباينة بل كأنه أمر واحد متصل متشابه، فإذا وجدت الحقائق فعند الوجود والتكوين يتميز بعضها من بعض، وينفصل بعضها عن بعض.
فبهذا الطريق يحسن جعل الرتق مجازاً عن العدم، والفتق عن الوجود.
وقيل: إن الليل سابق النهار لقوله: {وَآيَةٌ لَّهُمُ الليل نَسْلَخُ مِنْهُ النهار}[يس: ٣٧] فكانت السموات والأرض مظلمة أولاً ففتقها الله بإظهار النهار المبصر. واعلم أن دلالة هذه