جعل النار برداً وسلاماً لا أنَّ هناك كلاماً كقوله:{أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ}[يس: ٨٢] أي: يكونه. واحتج عليه بأن النار جماد فلا يجوز خطابه.
والأكثرون على انه وجد ذلك القول، ثم هؤلاء قولان:
أحدهما: قال السُّديِّ: القائل هو جبريل.
والثاني: قول الأكثرين إنَّ القائل هو الله تعالى، وهو الأقرب الأليق بالظاهر. وقوله: النار جماد فلا يكون في خطابها فائدة.
فالجواب: لِمَ لا يجوز أن يكون المقصود من ذلك الأمر مصلحة عائدة إلى الملائكة.
فصل
اختلفوا في كيفية برد النار. فقيل: إن الله تعالى أزال ما فيها من الحرارة والإحراق، وأبقى ما فيها من الإضاءة والإشراق، والله على كل شيء قدير.
وقيل: إنه تعالى خلق في جسم إبراهيم كيفية مانعة من وصول النار إليه كما يفعل بخزنة جهنم في الآخرة، وكما أنه ركب بنية النعامة بحيث لا يضرها ابتلاع الحديدة المحماة، وبدن السمندل بحيث لا يضره المكث في النار. وقيل: إنه خلق بينه وبين النار حائلاً يمنع من وصول أثر النار إليه.
قال المحققون: والأول أولى، لأنَّ ظاهر قوله:{يانار كُونِي بَرْداً} أي نفس النار صارت باردة حتى سلم إبراهيم من تاثرها. فإن قيل: الناؤ إن بقيت كما كانت، والحرارة جزء من مسمى النار، وامتنع كون النار باردة، فإذن يجب أن يقال: المراد من النار الجسم الذي هو أحد أجاء مسمى النار، وذلك مجاز فلم كان مجازكم أولى. فالجواب: أن المجاز الذي ذكرناهخ يبقى معه حصول البرد وفي الذيب ذكرتم لا يبقى ذلك، فكان مجازنا أولى.
فصل
معنى كون النار سلاماً على إبراهيم: أنَّ البرد إذا أفرط أهلك كالحر فلا بُدّ من الاعتدال، وهو من وجوه: