قال الضحاك: أي: مرسلين، وقال آخرون: عاملين بطاعة الله. «وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً» يقتدى بهم في الخبر «يَهْدُونَ» يدعون الناس إلى ديننا {بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِمْ فِعْلَ الخيرات} أي: العمل بالشرائع. وقال أبو مسلم: المراد النبوة. «وَإِقَام الصَّلَاةِ» أي: وإقامة الصلاة، يعني المحافظة؟ {وَإِيتَآءَ الزكاة وَكَانُواْ لَنَا عَابِدِينَ} موحدين. دلَّت هذه الآية على أنَّ أفعال العباد مخلوقة لله تعالى، لأنَّ قوله تعالى:{وَكُلاًّ جَعَلْنَا صَالِحِينَ} يدل على أنّ الصلاح من قبله.
وأجاب الجبائي: بأنه لو كان كذلك لما وصفهم بكونهم «صَالِحِيْنَ» ويكونهم «أَئِمَّةٌ» وبكونهم «عَابِدَيْنَ» ، ولما مدحهم بذلك، وإذا كان كذلك فلا بُدَّ من التأويل وهو من وجهين:
الأول: أنْ يكونَ المراد أنه تعالى أتاهم من لطفه وتوفيقه ما صلحوا به.
والثاني: أنَّ المراد تسميتهم بذلك كما يقال: زيد فسق فلاناً وكفره، إذا وصفه بذلك وكان مصدقاً عند الناس، وكما يقال في الحاكم زكى فلاناً، وعدله، وجرحه، إذا حكم بذلك. والجواب: المعارضة بمسألة العلم والداعي، وأما الحمل على اللطف فباطل، لأنَّ فعل الإلطاف عام في المكلفين، فلا بُدَّ في هذا التخصيص من مزيد فائدة، ولأنّ قوله: جعلته صالحاً كقولك: جعلته متحركاً، فحمله على تحصيل شيء سوى الصلاح ترك للظاهر. وأما الحمل على التسمية فمحال، لأنّ ذلك إنما يصار إليه إلا عند الضرورة في بعض المواضع، ولا ضرورة ههنا إلا أن يرجعوا مرة أخرى إلى فصل المدح والذم وحينئذ نرجع إلى مسألتي الداعي والعلم.
قوله:«فِعْلَ الخَيْرَاتِ» قال الزمخشري: أصله انْ تفعل الخيرات، ثم فعلا الخيرات، (ثم فعل الخيرات) وكذلك {إِقَامَ الصلاة وَإِيتَآءَ الزكاة} .
قال أبو حيَّان: كأنَّ الزمخشري لما رأى أنَّ فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ليس من الأحكام المختصة بالموحي إليهم، بل هم وغيرهم في ذلك مشتركون بنى الفعل للمفعول حتى لا يكون المصدر مضافاً من حيث المعنى إلى ضمير الموحى إليهم، فلا يكون فعلهم الخيرات وإقامتهم الصلاة وإيتاؤهم الزكاة، ولا يلزم ذلك إذ الفاعل