منك شراً فأخرك. فرجع إبليس إلى أصحابه خاسئاً ذليلاً، فقال لهم: ماذا عندكم من القوة، فقال عفريت آخر: عندي من القوة ما إذا شئت صحة صحيحة لا يسمعها ذو روح إلا خرجت روحه. فقال له إبليس: فأت الغنم ورعاتها، فانطلق فصاح بها فماتت ومات رعاتها، ثم جاء إبليس متمثلاً بقهرمان الرعاة إلى أيوب وهو يصلي، فقال له مثل القول الأول، فرد عيله أيوب الرد الأول. فرجع إبليس صاغراً إلى أصحابه، فقال لهم: ما عندكم من القوة فإني لم أكلم قلب أيوب؟ فقال عفريت آخر: عندي من القوة ما إذا شئت تحولت ريحاً عاصفاً أقلع كل شيء أتيت عليه.
فقال: اذهب إلى الحرث والفدادين، فأتاهم، فأهلكهم. ثم أتى إبليس متمثلاً إلى أيوب، فقال مثل قوله: فرد عيله أيوب الرد الأول. وكلما انتهى إليه هلاك مال من أمواله حمد الله وأحسن الثناء عليه ورضي عنه بالقضاء، ووطن نفسه بالصبر على البلاء حتى لم يبق له مال. فلما رأى إبليس صبره على ذلك وقف الموقف الذي كان يقفه عند الله. فقال: إلهي إن أيوب يرى أنك ما متعته بولده، فأنت معطيه المال فهل أنت مسلطي على ولده فإنها المعصية التي لا تقوم لها قلوب الرجال؟ قال الله تعالى: انطلق فقد سلطتك على ولده. فأتى أولاد أيوب في قصرهم فلم يزل يزلزله بهم من قواعده حتى قلب القصر عليهم. ثم جاء أيوب متمثلاً بالمعلم الذي يعلمهم الحكمة وهو جريح مشدوخ الوجه والرأس يسيل دمه ودماغه، فقال: لو رأيت بنيك حتى رَقَّ ايوب - عيله السلام - وبكى وقبض قبضة من التراب ووضعها على رأسه، وقال: ليت أمي لم تلدني، فاغتنم إبليس ذلك وصعد سريعاً، ووقف موقفه. ثم لم يلبث أيوب أن فاء وأبصر واستغفر، وصعد قرناؤه من الملائكة بتوبته، فسبقت توبته إلى الله - تعالى - وهو أعلم. فوقف إبليس ذليلاً فقال: يا إلهي إنما هوّن على أيوب المال والولد لعلمه أنه يرى أنك متعته بنفسه فأنت تعيد له المال والولد، فهل أنت مسلطي على جسده؟ فقال الله - عزَّ وجلَّ - انطلق فقد سلطتك على جسده، وذكرى للعابدين، وكل بلاء نزل بهم ليتأسوا به في الصبر، ورجاء للثواب. فانْقَضّ عدو الله سريعاً، فوجد أيوب ساجداً، فعجل قبل أن يرفع رأسه فأتاه من قبل وجهه، فنفخ في منخره نفخة اشتعل فيها جسده فخرج من