قوله:{أَفَكُلَّمَا جَآءَكُمْ رَسُولٌ} الهمزة هنا للتوبيخ والتَّقريع، والفاء للعطف عَطَفَتْ هذه الجملة على ماقَبْلَها، واعْتُنِيَ بحرف الاستفهام فَقَدِّم، وتقدم تحقيق ذلك، وأن الزمخشري يقدر بين الهمزة حرف العطف جملةً ليعطف عليها، وهذه الجملة يجوز أن تكون معطوفة على ما قبلها من غير حذف شيء كأنه قال: ولقد آتينا يا بني إسرائيل أنبيائكم ما آتيناهم فكلما جاءكم رسول.
ويجوز أن يُقَدَّر قبله محذوف أي: ففعلتم ما فعلتم فكلما جاءكم رسول، وقد تقدّم الكلام في «كلما» عند قوله «كُلَّمَا أَضَاءَ» ، والناصب لها هنا استكبرتم.
و «جاء» يتعدّى بنفسه تارة كهذه الآية، وبحرف الجر أخرى، نحو:«جئت إليه» و «رسول»«فَعُول» بمعنى «مفعول» أي: مُرْسَل، وكون «فَعُول» بمعنى «المفعول» قليل، جاء منه:«الرُّكُوب والحَلُوب» ، ويكون مصدراً بمعنى: الرِّسالة قاله الزمخشري؛ وأنشد:[الطويل]
أي: برسالة، ومن عنده:{إِنَّا رَسُولُ رَبِّ العالمين}[الشعراء: ١٦] .
قوله:{بِمَا لَا تهوى أَنْفُسُكُمْ} متعلّق بقوله: «جاءكم» و «ما» موصولة بمعنى الَّذِي، والعائد محذوف لاستكمال الشّروط والتقدير: بما لا تَهْوَاه، و «تهوى» مضارع «هَوِي» بكسر العين ولامه من ياء؛ لأن عينه واو، وباب «طويت وشويت» أكثر من باب «قُوَّةٌ وحُوةٌ» ولا دليل في «هَوِي» لانكسار العين، وهو مثل «شَقِي» من الشّقاوة، وقولهم في تثنية مصدر هوي: هَوَيان أدلُّ على ذلك.
ومعنى تهوى: تحبّ وتختار، وأصل الهَوَى: الميل، سمي بذلك؛ لأنه يَهْوي بصاحبه في النار، ولذلك لا يستعمل غالباً إلاّ فيما لا خير فيه، وقد يستعمل فيما هو خير، ففي الحديث الصحيح قول عمر في أسارى «بدر» : فهوي رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ما قال أبو بكر، ولم يَهْو ما قلت «.
وعن عائشة رَضِيَ اللهُ عَنْها: «والله ما أرى رَبَّك إلا يُسَارع في هواك» . وجمعه «أهواء» .