أخرى أنه - عليه السلام - قال:«بل هم عبدوا الشياطين التي أمرتهم بذلك» فأنزل - تعالى - {إِنَّ الذين سَبَقَتْ لَهُمْ مِّنَّا الحسنى}[الأنبياء: ١٠١] يعني عزيراً والمسيح والملائكة. قال ابن الخطيب: واعم أنَّ سؤال ابن الزبعرى غير متوجه من وجوه:
أحدها: أنَّ ذلك الخطاب كان مع مشركي مكة، وهم كانوا يعبدون الأصنام فقط.
وثانيها: أنه لم يقل: ومن تعبدون بل قال: «وَمَا تَعْبُدُونَ» . كلمة «مَا» لا تتناول العقلاء، وأما قوله تعالى:{وَمَا بَنَاهَا}[الشمس: ٥] وقوله: {لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ}[الكافرون: ٢] فحمول على الشيء، ونظيره هاهنا أن يقال: إنكم والشيء الذي تعبدون من دون الله، لكن لفظ الشيء لا يفيد العموم فلا يتوجه سؤال ابن الزبعرى.
وثالثها: أنَّ مَنْ عَبَدَ الملائكة لا يَدَّعِي أنهم آلهة وقال سبحانه {لَوْ كَانَ هؤلاء آلِهَةً مَّا وَرَدُوهَا} .
ورابعها: أنه ثبت العموم لكنه مخصوص بالدلائل العقلية والسمعية في حق الملائكة والمسيح وعزير لبراءتهم من الذنوب والمعاصي، ووعد الله إياهم بكل مكرمة، وهو المراد بقوله سبحانه {إِنَّ الذين سَبَقَتْ لَهُمْ مِّنَّا الحسنى}[الأنبياء: ١٠١] .
وخامسها: الجواب الذي ذكره رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وهو أنهم كانوا يعبدون الشياطين. فإن قيل: الشياطين عقلاء ولفظ «مَا» لا يتناولهم، فكيف قال ذلك؟ قلنا: كأنه - عليه السلام - قال: لو ثبت لكم أنه يتناول العقلاء فسؤالكم أيضاً غير لازم من هذا الوجه.
فإما ما قيل: إنه - عليه السلام - سكت عن إيراد ابن الزبعرى هذا السؤال، فهو خطأ، لأنه لا أقل من أنه - عليه السلام - كان يتنبّه لهذه الأجوبة التي ذكرها المفسرون، لأنه أعلم منهم باللغة وبتفسير القرآن، فكيف يجوز أن تظهر هذه الأجوبة لغيره، ولم يظهر له منها شيء.
فإن قيل: يجوز أن يسكت عليه السلام انتظاراً للبيان. قلنا: كان البيان حاضراً معه، فلم يجز عليه السكوت، لكي لا يتوهم عليه الانقطاع من سؤالهم.