وأما تنكير «خَلقٍ» فدلالته على التفصيل، قال الزمخشري: فإن قُلْتَ: ما بال «خَلْق» منكراً. قُلْتُ: هو كقولك: أول رجل جاءني، تريد أول الرجال، ولكنك وحدته ونكرته إرادة تفصيلهم رجلاً رجلاً، فكذلك معنى أول خلق بمعنى أول الخلائق، لأنّ الخلق مصدر لا يجمع.
قوله:«وَعْداً» منصوب على المصدر المؤكد لمضمون الجملة المتقدمة، فناصبه مضمر، أي: وعدنا ذلك وعداً.
فصل
اختلفوا في كيفية الإعادة فقيل: إن الله يفرق أجزاء الأجسام ولا يعدمها ثم إنه بعيد تركيبها فذلك هو الإعادة.
وقيل: إنه تعالى يعدمها بالكلية، ثم إنه يوجدها بعينها مرة أخرى، وهذه الآية دالة على هذا الوجه؛ لأنه تعالى شبه الإعادة بالابتداء، والابتداء ليس عبارة عن تركيب الأجزاء المتفرقة بل عن الوجود بعد العدم، فوجب أنْ تكون الإعادة كذلك.
واحتج الأولون بقوله تعالى:{والسماوات مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ}[الزمر: ٦٧] فدلّ هذا على أنّ السموات حال كونها مطويات تكون موجودة. وبقوله تعالى:{يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرض غَيْرَ الأرض}[إبراهيم: ٤٨] وهذا يدلّ على أنَّ الأرض باقية لكنها جعلت غير الأرض.
فصل
قال المفسرون: كما بدأناهم في بطون أمهاتهم عراة غرلاً كذلك نعيدهم يوم القيامة {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فرادى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ}[الأنعام: ٩٤] . «روى ابن عباس عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قال:» إِنَّكُمْ تُحْشَرُونَ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلاً «ثم قرأ {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ} . يعني الإعادة والبعث. وقيل: المراد حقاً علينا بسبب الإخبار عن ذلك وتعلق العلم بوقوعه وأن وقوع ما علم الله وقوعه واجب.