للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

الخامس: أن يكون حالاً من فاعل «يؤمنون» أي: فَجَمْعاً قليلاً يؤمنون، أي: المؤمن فيهم قليلٌ، قال معناه ابن عباس وقتادة والأصم وأبو مسلم.

قال ابن الخطيب: «وهو الأولى؛ لأن نظيره قوله: {بَلْ طَبَعَ الله عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَاّ قَلِيلاً} [النساء: ١٥٥] ، ولأن الجملة الأولى إذا كان المصرح فيها [ذكر] الكقوم فيجب أن يتناول الاستثناء بعض هؤلاء القوم» .

وقال المهدوي: ذهب قتادة إلى أن المعنى: فقليل منهم يؤمن، وأنكره النحويون، وقالوا: لو كان كذلك للزم رفع «قليل» .

وأجيب: بأنه لا يلزم الرَّفْع مع القول بالمعنى الذي ذهب إليه قَتَادَةٌ لما تقدم من أنَّ نصبه على الحال وافٍ بهذا المعنى. و «ما» على هذه الأقوال كلها مزيدة للتأكيد.

السادس: أن تكون «ما» نافية، أي فما يؤمنون قليلاً ولا كثيراً، ومثله: {قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ} [الأعراف: ١٠] {قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ} [الأعراف: ٣] ، كما يقال: قليلاً ما يغفل أي: لا يعقل ألبتة.

قال الكِسَائي: «تقول العرب: مررنا بأرض قليلاً ما تنبت» ، يريدون: لا تنبت شيئاً، وهذا قول الوَاقِدِيّ. وهو قوي من جهة المعنى، وإنما يضعف من جهة تقديم ما في حَيّزها عليها قاله أبو البقاء [وإليه ذهب ابن الأنباري] ، إلا أن تقديم ما في حيّزها عليها لم يُجِزْه البصريون، وأجازه الكوفيون.

قال أبو البقاء: «ولا يجوز أن تكون» ما «مصدرية؛ لأن» قليلاً «يبقى بلا ناصب» ، يعني: أنك إذا جعلتها مصدرية كان ما بعدها صلتها، ويكون المصدر مرفوعاً ب «قليلاً» على أنه فاعل به فأين الناصب له؟ وهذا بخلاف قوله تعالى: {كَانُواْ قَلِيلاً مِّن الليل مَا يَهْجَعُونَ} [الذاريات: ١٧] فإن «ما» هاهنا يجوز أن تكون مصدرية؛ لأن «قليلاً» منصوب ب «كان» وقال الزمخشري: «يجوز أن تكون القلّة بمعنى العدم» .

وقال أبو حَيَّان: وما ذهب إليه من أن «قليلاً» يراد به النَّفي فصحيح، لكن في غير هذا التركيب، أعني قوله تعالى: «فَقَلِيلاً ما يُؤْمِنُونَ» لأن «قليلاً» انتصب بالفعل المثبت، فصار نظير: «قمت قليلاً» أي: قمت قياماً قليلاً، ولا يَذْهب ذاهب إلى أنك إذا أتيت بفعل مثبت، وجعلت «قليلاً» منصوباً نعتاً لمصدر ذلك الفِعْل يكون المعنى في المثبت الواقع على صفة، أو هيئة انتفاء ذلك المثبت رأساً وعدم وقوعه بالكلية، وإنما الذي نقل النحويون: أنه قد يراد بالقلّة النفي المحض في قولهم: «أقل رجل يقول ذلك وقلّما يقوم زيد» ، وإذا تقرر هذا فحمل القلّة على النفي المحض هنا ليس بصحيح «انتهى.

<<  <  ج: ص:  >  >>