بِحَمْدَهِ} [الإسراء: ٤٤] ، {وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الجبال يُسَبِّحْنَ}[الأنبياء: ٧٩] . والمعنى أن هذه الأجسام لما كانت قابلة لجميع ما يحدثه الله تعالى فيها من غير امتناع أشبهت الطاعة والانقياد وهو السجود.
فإن قيل: هذا التأويل يبطله قوله تعالى {وَكَثِيرٌ مِّنَ الناس} ، فإن السجود بالمعنى المذكور عام في كل الناس، فإسناده إلى كثير منهم يكون تخصيصاً من غير فائدة.
فالجواب من وجوه:
الأول: أن السجود بالمعنى المذكور وإن كان عاماً في حق الكل إلا أن بعضهم تكبر وترك السجود في الظاهر، فهذا الشخص، وإن كان ساجداً بذاته لا يكون ساجداً بظاهره، وأما المؤمن فإن ساجد بذاته وبظاهره، فلأجل هذا الفرق حصل التخصيص بالذكر.
وثانيها: أن نقطع قوله: {وَكَثِيرٌ مِّنَ الناس} عما قبله، ثم فيه ثلاثة أوجه:
الأول: أن تقدير الآية: ولله يسجد من في السموات ومن في الأرض ويسجد له كثير من الناس فيكون السجود الأول بمعنى الانقياد، والثاني بمعنى العبادة، وإنما فعلنا ذلك لقيام الدلالة على أنه لا يجوز استعمال اللفظ المشترك في معنييه جميعاً.
الثاني: أن يكون قوله: {وَكَثِيرٌ مِّنَ الناس} مبتدأ وخبره محذوف وهو مثاب، لأن خبر مقابله يدل عليه وهو قوله:{حَقَّ عَلَيْهِ العذاب} .
والثالث: أن يبالغ في تكثير الحقوق بالعذاب، فيعطف «كثير» على كثير ثم يخبر عنهم بحق عليهم العذاب.
وثالثها: أن من يجوز استعمال اللفظ المشترك في مفهومية جميعاً يقول: المراد بالسجود في حق الأحياء العقلاء العبادة، وفي حق الجمادات الانقياء (ومن ينكر ذلك فيقول: إن الله تكلم بهذه اللفظة مرتين، فعنى بها في حق العقلاء الطاعة، وفي حق الجمادات الانقياد) فإن قيل: قوله: {وَللَّهِ يَسْجُدُ مَن فِي السماوات والأرض}[الرعد: ١٥] عام فيدخل فيه الناس، فلم قال {وَكَثِيرٌ مِّنَ الناس} مرة أخرى؟
فالجواب: لو اقتصر على ما تقدم لأوهم أن كل الناس يسجدون كما أن كل الملائكة يسجدون فبين أن كثيراً منهم يسجد طوعاً دون كثير منهم فإنه يمتنع من ذلك، وهم الذين حق عليهم العذاب وقال القفال: السجود هاهنا هو الخضوع والتذلل،