وقال:{إِلَاّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ المخلصين}[الحجر: ٤٠] ولا شك أنه - عليه السلام - كان سيد المرسلين.
وأما إن كان تكلمه بذلك اختياراً وهاهنا وجهان:
أحدهما: أن يقول إن هذه الكلمة باطلة.
والثاني: أن يقول إنها ليست كلمة باطلة.
أما على الأول فذكروا فيه طريقتين:
الأول: قال ابن عباس في رواية عطاء: إن شيطاناً يقال له الأبيض أتاه على صورة جبريل وألقى عليه هذه الكلمة فقرأها فلما سمع المشركون ذلك أعجبهم، فجاءه جبريل فاستعرضه، فقرأ السورة، فلما بلغ إلى تلك الكلمة. قال جبريل: أنا ما جئتك بهذا، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - «أَتَانِي آتٍ عَلَى صُورَتِكَ فَأَلْقَاهُ عَلَى لِسَانِي»
. الطريق الثاني: قال بعض الجهال: إنه - عليه السلام - لشدة حرصه على إيمان القوم أدخل هذه الكلمة من عند نفسه، ثم رجع عنها. وهذان القولان لا يرغب فيهما مسلم ألبتة، لأن الأول يقتضي أنه - عليه السلام - ما كان يميز بين الملك المعصوم والشيطان الخبيث. والثاني يقتضي أنه كان خائناً في الوحي، وكل واحد منهما خروج عن الدين.
وأما الوجه الثاني وهو أن هذه الكلمة ليست باطلة فهاهنا أيضاً طرق:
الأول: أن يقال: الغرانيق هم الملائكة، وقد كان ذلك قرآناً منزلاً في وصف الملائكة، فلما توهم المشركون أنه يريد آلهتهم نسخ الله ذلك.
الثاني: أن يقال: المراد منه الاستفهام على سبيل الإنكار، فكأنه قال: أشفاعتهن ترتجى؟
الثالث: أن يقال: ذكر تعالى الإثبات وأراد النفي كقوله {يُبَيِّنُ الله لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ}[النساء: ١٧٦] أي: لا تضلوا، كما قد يذكر النفي ويريد به الإثبات كقوله:{قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَاّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً}[الأنعام: ١٥١] والمعنى أن تشركوا. وهذان الوجهان الأخيران يعترض عليهما بأنه لو جاز ذلك بناء على هذا التأويل فلم لا يجوز أن يظهروا كلمة الكفر في جملة القرآن، أو في الصلاة بناء على هذا التأويل، ولكن الأصل في الدين