وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأمور} [الشورى: ٤٣] فلما لم يأت بهذا المندوب فهو نوع إساءة فكأنه تعالى قال: إني عفوت عن هذه الإساءة وغفرتها. وقيل: إنه تعالى وإن ضمن له النصر على الباغي لكنه عرض مع ذلك بما هو أولى وهو العفو والمغفرة، فلوَّح بذكر هاتين الصفتين.
وفيه وجه آخر وهو أنه تعالى دل بذكر العفو والمغفرة على أنه قادر على العقوبة لأنه لا يوصف بالعفو إلا القادر على ضده.
قوله:{ذلك بِأَنَّ الله يُولِجُ الليل فِي النهار} وفيه وجهان:
الأول: أي: ذلك النصر بسبب أنه قادر، ومن قدرته كونه خالقاً لليل والنهار ومتصرفاً فيهما، فوجب أن يكون قادراً عالماً بما يجري فيهما، وإذا كان كذلك كان قادراً على النصر.
الثاني: المراد أنه مع ذلك النصر ينعم في الدنيا بما يفعله من تعاقب الليل والنهار وولوج أحدهما في الآخر. ومعنى إيلاج أحدهما في الآخر أنه يحصل ظلمة هذا في ضياء ذلك بغيبوبة الشمس وضياء ذلك في ظلمة هذا بطلوعها كما يضيء البيت بالسراج ويظلم بفقده.
وقيل هو أن يزيد في أحدهما ما ينقص من الآخر من الساعات. و «ذَلَكَ» مبتدأ و «بأَنَّ اللَّهَ» خبره، ثم قال:{وَأَنَّ الله سَمِيعٌ بَصِيرٌ} أي: أنه كما يقدر على ما لا يقدر عليه غيره، فكذلك يدرك المسموع والمبصر، ولا يجوز المنع عليه، وذلك كالتحذير من الإقدام على ما لا يجوز في المسموع والمبصر.
قوله:{ذلك بِأَنَّ الله هُوَ الحق} الآية. قرأ العامة «وأن ما» عطفاً على الأول. والحسن بكسرها استئنافاً. وقوله:«هُوَ الحَقّ» يجوز أن يكون فصلاً ومبتدأ.
وجوَّز أبو البقاء أن يكون توكيداً. وهو غلط لأن المضمر لا يؤكد المظهر، ولكان صيغة النصب أولى به من الرفع فيقال: إياه، لأن المتبوع منصوب. وقرأ الأخوان