إِلَاّ وُسْعَهَا} [البقرة: ٢٨٦]{وَمَا جَعَلَ عَلَيْكمْ فِي الدين مِنْ حَرَجٍ}[البقرة: ٧٨] و {يُرِيدُ الله بِكُمُ اليسر وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ العسر}[البقرة: ١٨٥] . فكيف يقول:{وَجَاهِدُوا فِي الله} على وجه لا يقدرون عليه؟ وقال أكثر المفسرين: حق الجهاد أن يكون بنية صادقة. وقيل: يفعله عبادة لا رغبة في الدنيا من حيث الاسم والغنيمة. وقيل: يجاهدوا آخراً كما جاهدوا أولاً، فقد كان جهادهم في الأول أقوى، وكانوا فيه أثبت نحو صنعهم يوم بدر، روي عن عمر أنه قال لعبد الرحمن بن عوف: أما علمت أنا كنا نقرأ «وَجَاهِدُوا في اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ في آخر الزمان كما جاهدتم في أوله» ؟ قال عبد الرحمن: ومتى ذلك يا أمير المؤمنين؟ قال: إذا كانت بنو أمية الأمراء، وبنو المغيرة الوزراء. واعلم أنه يبعد أن تكون هذه الزيادة من القرآن، وإلا لنقل كنقل نظائره، ولعله إن صح ذلك عن الرسول فإنما قاله كالتفسير للآية.
وروي عن ابن عباس أنه قرأ:«وَجَاهِدُوا في اللَّهِ حَقَّ جَهَادِهِ كما جاهدتم أول مرة» فقال عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه -: من الذي أمرنا بجهاده؟ فقال: قبيلتان من قريش مخزوم وعبد شمس، فقال: صدقت. وقيل: معنى الآية: استفرغوا وسعكم في إحياء دين الله، وإقامة حقوقه بالحرب واليد واللسان، وجميع ما يمكن، وردوا أنفسكم عن الهوى والميل وقال ابن المبارك: هو مجاهدة النفس والهوى، وهو الجهاد الأكبر [وهو حق الجهاد وقد روي أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لما رجع من غزوة تبوك قال:
«رجعنا من الجهاد والأصغر إلى الجهاد الأكبر» ] وأراد بالجهاد الأصغر الجهاد مع الكفار، وبالجهاد الأكبر الجهاد مع النفس. وأما بيان ما يوجب قبول هذه الأوامر، فهو ثلاثة:
الأول: قوله: «هُوَ اجْتَبَاكُمْ» اختاركم لدينه، وهذه من أعظم التشريفات، فأي رتبة أعلى من هذه، وأي سعادة فوق هذا. ثم قال:{وَمَا جَعَلَ عَلَيْكمْ فِي الدين مِنْ حَرَجٍ} وهو كالجواب عن سؤال، وهو أن التكليف وإن كان تشريفاً لكنه شاق على النفس؟ أجاب بعضهم بقوله:{مَا جَعَلَ عَلَيْكمْ فِي الدين مِنْ حَرَجٍ} ، [روي أن أبا هريرة - رَضِيَ