عليه السلام -، ثم استودعها الجبال وأجراها في الأرض وجعل فيها منافع للناس، فذلك قوله:{وَأَنزَلْنَا مِنَ السمآء مَآءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الأرض} ، ثم يرفعها عند خروج يأجوج ومأجوج، ويرفع أيضاً القرآن والعلم كله والحجر الأسود من ركن البيت، ومقام إبراهيم وتابوت موسى بما فيه، فيرفع كل ذلك إلى السماء فذلك قوله:{وَإِنَّا على ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ} ، فإذا رفعت هذه الأشياء من الأرض فَقَدَ أَهْلُها خير الدنيا والدين. وقيل: معنى: {فَأَسْكَنَّاهُ فِي الأرض} : ما تبقّى في الغدران والمستنقعات ينتفع به الناس في الصيف عند انقطاع المطر.
وقيل: فأسكناهُ في الأرض ثم أخرجنا منها ينابيع، فماء الأرض كله من السماء.
قوله:{وَإِنَّا على ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ}«عَلَى ذَهَابٍ» متعلق ب «لقَادِرُونَ» واللام كما تقدم غير مانعة من ذلك، و «بِهِ» متعلق ب «ذَهَابٍ» ، وهي مرادفة للهمزة كهي في «لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ» أي: على إذهابه والمعنى: كما قَدَرْنا على إنزاله كذلك نَقْدِر على رفعه وإزالته فتهلكوا عطشاً، وتهلك مواشيكم وتخرب أرضكم.
قال الزمخشري: قوله: {على ذَهَابٍ بِهِ} من أوقع النكرات وأحزها للمفصل، والمعنى: على وجه من وجوه الذهاب به، وطريق من طرقه، وفيه إيذان بكمال اقتدار المذهب وأنه لا يتعايا عليه شيء، وهو أبلغ في الإيعاد من قوله:
{قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَآؤُكُمْ غَوْراً فَمَن يَأْتِيكُمْ بِمَآءٍ مَّعِينٍ}[الملك: ٣٠] واعلم أنه تعالى لمّا نبّه على عظيم نعمته بخلق الماء ذكر بعده النعم الحاصلة من الماء فقال {فَأَنشَأْنَا لَكُمْ بِهِ} ، أي: بالماء {جَنَّاتٍ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ} ، وإنما ذكر النخيل والأعناب لكثرة منافعهما فإنهما يقومان مقام الطعام والإدام والفاكهة رطباً ويابساً، وقوله: