ثم سمي نوحاً لكثرة ما نَاحَ على نفسه حين دعا على قومه بالهلاك فأهلكهم الله بالطوفان فَندم على ذلك.
وقيل: لمراجعة ربه في شأن ابنه. وقيل: لأنه مر بكلب مجذوم، فقال له: اخسأ يا قبيح، فعوتب على ذلك، وقال الله تعالى: أعِبْتني إذ خلقته، أم عِبْتَ الكلب، وهذه وجوه متكلفة، لأن الأعلام لا تفيد صفة في المسمى.
قوله:{ياقوم اعبدوا الله} : وَحِّدُوه {مَا لَكُمْ مِّنْ إله غَيْرُهُ} أي: أنَّ عبادة غير الله لا تجوز إذ لا إله سواه. وقُرئ «غَيْرُهُ» بالرفع على المحل، وبالجر على اللفظ.
ثم إنه لمّا لَمْ ينفع فيهم الدعاء واستمروا على عبادة غير الله حذرهم بقوله:«أَفَلَا تَتَّقُونَ» زجرهم وتوعدهم باتقاء العقوبة لينصرفوا عما هم عليه ثم إنه تعالى حكى عنهم شبههم في إنكار نبوة نوح - عليه السلام -: وهي قولهم: {مَا هذا إِلَاّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ} وهذه الشبهة تحتمل وجهين:
أحدهما: أن يقال: إنه لمّا كان سائر الناس في القوة والفهم والعلم والغنى والفقر والصحة والمرض سواء امتنع كونه رسولاً لله، لأنّ الرسول لا بُدّ وأن يكون معظماً عند الله وحبيباً له، والحبيب لا بد وأن يختص عن غير الحبيب بمزيد الدرجة والعزة، فلما انْتَفَتْ هذه الأشياء علمنا انتفاء الرسالة.
والثاني: أن يقال: إن هذه الإنسان مشارك لكم في جميع الأمور، ولكنه أحب الرياسة والمتبوعية فلم يجد إليهما سبيلاً إلا بادعاء النبوة، فصار ذلك شُبهة لهم في القدح في نبوته، ويؤكد هذا الاحتمال قولهم:{يُرِيدُ أَن يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ} أي: يطلب الفضل عليكم ويرأسكم.
الشبهة الثانية: قولهم: {وَلَوْ شَآءَ الله لأَنزَلَ مَلَائِكَةً} أي: ولو شاء الله أن لا يتعبد سواه لأنزل ملائكة بإبلاغ الوحي، لأنّ بعثة الملائكة أشد إفضاء إلى المقصود من بعثة البشر، لأن الملائكة لعلو شأنهم وشدة سطوتهم، وكثرة علومهم ينقاد الخلق إليهم، ولا يشكون في رسالتهم فلمّا لم يفعل ذلك عَلِمنا أنه ما أرسل رسولاً.