روي القَشَيْري رَحِمَهُ اللهُ أنه ما شربه أحد إلا جُنَّ.
قال القرطبي رَحِمَهُ اللهُ: أما تَذْرِيَتُهُ في الماء فقد دلّ عليه قوله تعالى: {ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي اليم نَسْفاً} [طه: ٩٧] ، وأما شرب الماء وظهور البُرَادة على الشِّفاه وهذا وإن كان قال به السّدي وابن جريج وغيرهما فردّه قوله: «في قُلُوبِهِمْ» .
فصل في فاعل الإشراب
قوله: «وأُشْرِبُوا في قُلُوبِهِم» يدلّ على أن فاعلاً غيرهم بهم ذلك، ومعلوم أنه لا يقدر عليه سوى الله تعالى.
أجاب المعتزلة بوجهين:
الأول: ما أراد الله تعالى أن غيرهم فعل بهم ذلك، لكنهم لِفَرْطِ ولوعهم وَإِلْفِهِمْ بعبادته أشربوا قلوبهم حُبّه، فذكر ذلك على ما لم يسمّ فاعله كما يقال: فلان معجب بنفسه.
والثاني: أن المراد من «أشرب» أي: زيّنه لهم، ودعاهم إليه كالسَّامري، وإبليس، وشياطين الإنس والجن.
وأجابوا: بأن هذا صرف اللَّفظ عن عن ظاهره، وذلك لا يجوز المصير إليه إلاّ بدليل منفصل، وقد أقيمت الدلائل العقلية القَطْعية على أن محدث الأشياء هو الله تعالى فلا حاجة لنا إلى ترك هذا الظاهر.
قوله: «بِكُفْرِهِم» فيه وجهان:
أظهرهما: أن «الباء» سببية متعلّقة ب «أُشْرِبُوا» أي: أشربوا بسبب كفرهم السَّابق.
والثاني: أنها بمعنى «على» يعنون بذلك أنها للحال، وصاحبها في الحقيقة ذلك للفاعل المحذوف أي: أشربوا حبّ عبادة العِجْل مختلطاً بكفرهم، والمصدر مضاف للفاعل، أي: بأن يكفروا.
قوله: «قُلْ» بِئْسَمَا يَأمُرُكُمْ «كقوله:» بِئْسَمَا اشْتَرَوْا «.
والمعنى: فبئسما يأمركم به إيمانكم الذي زعمتم في قولكم: {نُؤْمِنُ بِمَآ أُنْزِلَ} [البقرة: ٩١] .
وقيل: إن هذا خطاب للنبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وأمر له بأن يوبّخهم أي: قل لهم يا محمد: بئس هذه الأشياء التي فعلتم، وأمركم بها [إيمانكم] أي: بالتوراة لأنه ليس في التوراة عبادة العِجْل وإضافة الأمر إلى إيمانهم كما قالوا لشعيب صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: {أَصَلَوَاتُكَ تَأْمُرُكَ} [هود: ٨٧] .