للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وقال الزمخشري: فإن قلت: هَلَاّ قيل: وما تَضرّعوا (أو) فما يستكينون.

قلت: لأنّ المعنى محنّاهم فما وجدت منهم عقيب المحنة استكانة، وما مِنْ عادة هؤلاء أن يستكينوا ويتضرعوا حتى يفتح عليهم باب العذاب الشديد.

فظاهر هذا أنَّ (حَتَّى) غاية لنفي الاستكانة والتضرّع. ومعنى الاستكانة طلب السكون، أي: ما خضعوا وما ذلوا إلى ربهم، وما تضرعوا بل مضوا على تمرّدهم.

قوله: {حتى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَاباً ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ} . قرئ «فَتَّحنَا» بالتشديد.

قال ابن عباس ومجاهد: يعني القتل يوم بدر. وقيل: الموت وقيل: قيام الساعة. وقيل: الجوع. {إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ} آيسون من كل خير. وقرأ السلمي: «مُبْلَسُون» - بفتح اللام - من أبلسه، أي: أدخله في الإبلاس.

قوله تعالى: {وَهُوَ الذي أَنْشَأَ لَكُمُ السمع والأبصار} الآية.

العطف لا يحسن إلاّ مع المجانسة، فأي مناسبة بين قوله: {وَهُوَ الذي أَنْشَأَ لَكُمُ السمع والأبصار} وبين ما قبله؟

والجواب: كأنّه تعالى لمّا بيّن مبالغة الكفار في الإعراض عن سماع الأدلة والاعتبار، وتأمّل الحقائق قال للمؤمنين: هو الذي أعطاكم هذه الأشياء ووفّقكم لها تنبيهاً على أنَّ من لم يُعمل هذه الأعضاء فيما خلقت له فهو بمنزلة عادمها، لقوله: {فَمَآ أغنى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُمْ مِّن شَيْءٍ} [الأحقاف: ٢٦] وأفرد السمع والمراد الأسماع ثم قال: {قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ} .

قال أبو مسلم: وليس المراد أنَّ لهم شكراً وإن قَلّ، لكنه كما يقال للكفور والجاحد للنعمة: ما أقلّ شكر فلان.

ثم قال: {وَهُوَ الذي ذَرَأَكُمْ فِي الأرض} أي: خلقكم، قال أبو مسلم: ويحتمل بسطكم فيها ذرية بعضكم من بعض حتى كثرتم كقوله: {ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ} [الإسراء: ٣] أي: هو الذي جعلكم في الأرض متناسلين، ويحشركم يوم القيامة إلى دار لا حاكم فيها سواه، فجعل حشرهم إلى ذلك الموضع حشراً إليه لا بمعنى المكان. ثم قال: {وَهُوَ الذي يُحْيِي وَيُمِيتُ} أي: نعمة الحياة وإن كانت من أعظم النعم فهي منقطعة

<<  <  ج: ص:  >  >>