وقال أبو بكر الرازي: هذا الخبر ورد على خلاف قياس الأصول، فإنه لا خلاف أنه لو دخل داره بغير إذنه ففقأ عينه كان ضامناً، وكان عليه القصاص إن كان عامداً، والأرش إن كان مخطئاً، والداخل قد اطَّلع وزاد على الاطلاع، فظاهر الحديث مخالف لما حصل عليه الاتفاق، فإن صحَّ فمعناه: من اطلع في دار قوم ونظر إلى حرمهم فمنع فلم يمتنع فذهب عينه في حال الممانعة فهي هدر، فأما إذا لم يكن إلا النظر ولم يقع فيه ممانعة ولا نهي ثم جاء إنسان ففقأ عينه فهذا جان يلزمه حكم جنايته لظاهر قوله تعالى:» العَيْن بِالعَيْنِ «إلى قوله:» والجُرُوحَ قِصَاصٌ «.
وأجيب بأن التمسك بقوله:» العَيْنُ بِالعَيْنِ «ضعيف، لأنا أجمعنا على أن هذا النص مشروط بما إذا لم تكن العين مستحقة، فإنه لو كانت مستحقة القصاص، فلم قلت: إن من اطَّلع في دار إنسان لم تكن عينه مستحقة؟
وأما قوله: إنه لو دخل لم يجز فقء عينه، فكذا إذا نظر.
والفرق بينهما أنه إذا دخل، علم القوم بدخوله عليهم، فاحترزوا عنه وتستروا، فأما إذا نظر فقد لا يكونون عالمين بذلك فيطلع منهم على ما لا يجوز الاطلاع عليه، فلا يبعد في حُكْم الشرع أن يبالغ هنا في الزجر حسماً لهذه المفسدة.
وأيضاً فردّ حديث رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بهذا القدر من الكلام ليس جائزاً.
فصل
إذا عرض أمر في دار من حريق أو هجوم سارق، أو ظهور منكر فهل يجب الاستئذان؟ فقيل: كل ذلك مستثنى بالدليل.
فأما السلام فهو من سنة المسلمين التي أمروا بها، وهو تحية أهل الجنة، ومجلبة للمودة، ونافٍ للحقد والضغائن.
قال عليه السلام: «لمَّا خلق الله آدم ونفخ فيه الروح عطس فقال: الحمد لله، فحمد الله بإذن الله، فقال له الله: يرحمك ربك يا آدم، اذهب إلى هؤلاء الملائكة (