ومعنى قوله:{إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً} أي: إذا أرَدْنَ، وليس معناه الشرط، لأنه لا يجوز إكراههن على الزنا إن لم يردْن تحصناً، كقوله عزَّ وجلَّ:{وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ}[آل عمران: ١٣٩] أي: إذ كنتم مؤمنين. وقيل: إنما شرط إرادة التحصن، لأن الإكراه إنما يكون عند إرادة التحصن، فإن لم تُرِد التحصن بغت طوعاً، لأنه متى لم توجد إرادة التحصن لم تكن كارهة للزنا، وكونها غير كارهة للزنا يمنع إكراهها، فامتنع الإكراه لامتناعه في نفسه. وقيل: هذا الشرط لا مفهوم له، لأنه خرج مخرج الغالب، لأن الغالب أن الإكراه لا يحصل إلا عند إرادة التحصن، كما أن الخلع يجوز في غير حالة الشقاق، ولكن لما كان الغالب وقوع الخلع في حالة الشقاق لا جرم لم يكن لقوله:{فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَاّ يُقِيمَا حُدُودَ الله فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افتدت بِهِ}[البقرة: ٢٢٩](مفهوم) ومنه قوله تعالى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأرض فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصلاة إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الذين كفروا}[النساء: ١٠١] والقصر لا يختص بحال الخوف، ولكنه أخرجه على الغالب، فكذا ههنا. وقال بعض العلماء: في الآية تقديم وتأخير، تقديره: وأنكحوا الأيامى منكم إن أردن تحصناً ولا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُم على البِغَاءِ لتبتغوا عرض الحياةِ الدُّنيا، أي: لتطلبوا من أموال الدنيا، يريد: من كسبهن وبيع أولادهن. والتحصن: التعفف.
قوله:{وَمَن يُكْرِههُنَّ فِإِنَّ الله مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} . أي: غفور رحيم للمكرهات، والوزر على المُكْرِه، وكان الحسن إذا قرأ هذه الآية قال:(لهنَّ والله) .
وقال ابن الخطيب: فيه وجهان:
أحدهما: غَفُوراً لَهُنَّ، لأنّ الإكراه (يُزِيلُ الإثم) والعقوبة عن المكره فيما فعل.