المراد: الصلوات المفروضة لما روى سالم (عن) ابن عمر أنه كان في السوق فأقيمت الصلاة، فقام الناس وأغلقوا حوانيتهم، فدخلوا المسجد، فقال ابن عمر: فيهم نزلت هذه الآية: {رِجَالٌ لَاّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ الله وَإِقَامِ الصلاة} .
وقوله:«وإِيتَاءِ الزَّكَاةِ» يريد: المفروضة. قال ابن عباس: إذا حضر وقت أداء الزكاة لم يحبسوها. وروي عن ابن عباس أيضاً: المراد من الزكاة: طاعة الله والإخلاص. وهذا ضعيف لأنه تعالى علق الزكاة بالإيتاء، وهذا لا يحتمل إلا ما يعطى من حقوق المال. قوله:«يخَافُونَ يَوْماً» يجوز أن يكون نعتاً ثانياً ل «رِجَالٌ» ، وأن يكون حالاً من مفعول «تُلْهِيهِمْ» و «يَوْماً» مفعول به لا ظرف على الأظهر، و «تَتَقَلَّبُ» صفة ل «يَوْماً» .
قوله:{تَتَقَلَّبُ فِيهِ القلوب والأبصار} : تتقلب القلوب عما كانت عليه في الدنيا من الشرك والكفر وتنفتح الأبصار من الأغطية بعد أن كانت مطبوعة عليها لا تبصر، وكلهم انقلبوا من الشك إلى اليقين، كقوله:{وَبَدَا لَهُمْ مِّنَ الله مَا لَمْ يَكُونُواْ يَحْتَسِبُونَ}[الزمر: ٤٧] وقوله: {لَّقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هذا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَآءَكَ فَبَصَرُكَ اليوم حَدِيدٌ}[ق: ٢٢] . وقيل: تتقلب القلوب تطمع في النجاة وتخشى الهلاك، وتتقلب الأبصار من أي ناحية يؤخذ أمن ناحية اليمين أم من ناحية الشمال؟ ومن أي ناحية يعطون كتابهم، أمن قبل اليمين أم من قبل الشمال؟
والمعتزلة لا يرضون بهذا التأويل، لأنهم قالوا: إن أهل الثواب لا خوف عليهم البتة، وأهل العقاب لا يرجون العفو. وقيل: إن القلوب تزول من أماكنها فتبلغ الحناجر، والأبصار تصير زرقاً. وقيل: تقلب البصر: شخوصه من هول الأمر وشدته.