للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

الدين: وليس كما ذكر من ترجيح النصب على الرفع في هذه الصُّورة ولا في هذه السورة، بل نصَّ النحويون على أنَّ مثل هذه الصورة يرجَّح رفعها بالابتداء على نصبها على الاشتغال، لأنه لم يكن ثمَّ قرينة من القرائن التي جعلوها مرجحةً للنصب، والنصب يحوجُ إلى إضمار، والرفع لا يحوج إليه، فكان أرجح. وقرأت فرقة: {عُلِمَ صَلَاتُهُ وتَسْبِيحُهُ} بالرفع وبناء الفعل للمفعول الذي لم يسم فاعله. ذكرها أبو حاتم.

فصل

وجه اتصال هذا بما قبله أنه تعالى لما ذكر أن أهل السموات والأرض يسبحون، ذكر المستقرين في الهواء الذي هو بين السماء والأرض، وهم الطير يسبحون، وذلك أن إعطاء الجرم الثقيل القوة التي بها يقوى على الوقوف في جو السماء صافة باسطة أجنحتها بما فيها من القبض والبسط من أعظم الدلائل على قدرة الصانع المدبر سبحانه، وجعل طيرانها سجوداً منها له سبحانه، وذلك يؤيد أن المراد من التسبيح دلالة هذه الأمور على التنزيه (لا النطق) اللساني. وقال أبو ثابت: «كنت جالساً عند أبي جعفر الباقر فقال لي: أتدري ما تقول هذه العصافير عند طلوع الشمس وبعد طلوعها؟ (قال: لا) قال: فإنهن يقدسن ربهن ويسألنه قوت يومهن» . واستبعد المتكلمون ذلك فقالوا: الطير لو كانت عارفة بالله لكانت كالعقلاء الذين يفهمون كلامنا وإشارتنا، لكنها ليست كذلك، فإنا نعلم بالضرورة بأنها أشد نقصاناً من الصبي الذي لا يعرف هذه الأمور، فبأن يمتنع ذلك فيها أولى، وإذا ثبت أنها لا تعرف الله استحال كونها مسبحة له بالنطق، فثبت أنها لا تسبح الله إلا بلسان الحال كما تقدم. قال بعض العلماء: إنا نشاهد من الطيور وسائر الحيوانات أعمالاً لطيفة يعجز عنها أكثر العقلاء، وإذا كان كذلك (فلِمَ لا) يجوز أن يلهمها معرفته ودعاءه وتسبيحه؟ وبيان أنه سبحانه ألهمها الأعمال اللطيفة من وجوه:

<<  <  ج: ص:  >  >>