لكل من آمن وعمل صالحاً، ولم يكن الأمر كذلك، نزلنا عنه، ولكن لم لا يجوز أن يكون المراد من قوله:«لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ» هو أنه تعالى أسكنهم في الأرض، ومكنهم من التصرف، لأنّ المراد خلافة الله، ويدل عليه قوله:{كَمَا استخلف الذين مِن قَبْلِهِمْ} واستخلاف من كان قبلهم لم يكن بطريق الأمانة، فوجب أن يكون الأمن في حقهم أيضاً، كذلك نزلنا عنه، لكن هاهنا ما يدل على أنه لا يجوز حمله على خلافة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لأن من مذهبكم أنه - عليه السلام - لم يستخلف أحداً، وروي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - أنه قال:«أنزلتكم كما نزلت نبي الله» فعبر عنه بلفظ الجمع على سبيل التعظيم كقوله تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ القدر}[القدر: ١] ، وقال في حق علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه -: {الذين يُقِيمُونَ الصلاة وَيُؤْتُونَ الزكاة وَهُمْ رَاكِعُونَ}[المائدة: ٥٥] ، نزلنا عنه، ولكن محمله على الأئمة الاثني عشر؟
والجواب عن الأول: أن كلمة «مِنْ» للتبعيض، فقوله:«مِنْكُمْ» يدل على أنَّ المراد من هذا الخطاب بعضهم.
وعن الثاني: أن الاستخلاف بالمعنى الذي ذكرتموه حاصل لجميع الخلق، والمذكور هاهنا في معرض البشارة، فلا بدَّ وأن يكون مغايراً له.
وأما قوله تعالى:{كَمَا استخلف الذين مِن قَبْلِهِمْ} فالذين كانوا قبلهم قد كانوا خلفاء تارة بسبب النبوة وتارة بسبب الملك، فالخلافة حاصلة في الصورتين.
وعن الثالث: أنه وإن كان مذهبنا أنه عليه السلام لم يستخلف أحداً بالتعيين، ولكن قد استخلف بذكر الوصف والأمر والإخبار، فلا يمتنع في هؤلاء أنه تعالى استخلفهم، وأن الرسول استخلفهم، وعلى هذا الوجه قالوا في أبي بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - خليفة رسول الله، والذي قيل: إنه عليه السلام لم يستخلف أريد به على وجه التعيين، وإذا قيل: استخلف فالمراد على طريق الوصف والأمر.
وعن الرابع: أن حمل لفظ الجمع على الواحد مجاز، وهو خلاف الأصل.