ومنها: أنه يصير قوله: {أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} مفلَّتاً ضائعاً، لأنَّ «يحذر» يتعدى لواحد، وقد أخذه على زعمكم، وهو الذين يخالفون ولا يتعدى إلى اثنين حتى يقولوا: إن {أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ} في محل مفعوله الثاني، فيبقى ضائعاً. وفيه نظرٌ، لأنَّا لا نُسلِّم ضياعهُ، لأنه مفعول من أجله. واعترض على هذا بأنه لا يستكمل شروط النصب لاختلاف الفاعل، لأن فاعل الحذر غير فاعل الإصابة.
وهو ضعيف، لأن حذف حرف الجر يطرد مع «أَنَّ» و «أَنْ» منقول مسلمٌ: شروط النصب غير موجودةٍ، وهو مجرور باللام تقديراً، وإنما حُذفت مع أَنْ لطولها بالصلة. و «يُخَالِفُونَ» يتعدى بنفسه نحو: خَالَفْتُ أَمْر زيدٍ، وب «إِلَى» نحو: خالفتُ إلى كذا، فكيف تعدَّى هذا بحرفِ المجاورة؟ وفيه أوجه:
أحدها: أنه ضُمِّنَ معنى «صَدَّ» و «أَعْرَضَ» أي: صدَّ عن أمره، وأَعْرَضَ عنه مُخَالِفاً له.
الثاني: قال ابن عطية: معناه: يقعُ خلافُهُمْ بعدَ أَمْرِه، كما تقول: كان المطر عَنْ ريح كذا، و «عن» لِمَا عدا الشي.
المعنى:{فَلْيَحْذَرِ الذين يُخَالِفُونَ} أي: يعرضون «عَنْ أَمْرِهِ» ، أو يخالفون أمره وينصرفون عنه بغير إذنه {أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ} أي: لئلا تصيبهم فتنة.
قال مجاهد: بلاء في الدنيا. {أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} وجيع في الآخرة. والضمير في «أمره» يرجع إلى «الرسول» . وقال أبو بكر الرازي: الأظهر أنه لله تعالى لأنه يليه.