وقرىء:«عَهِدُوا» فيكون «عَهْداً» مصدراً جارياً على صدره.
وقرىء أيضاً:«عُوهِدُوا» مبيناً للمفعول.
قال ابن الخطيب: المقصود من هذه الاستفهام، الإنكار، وإعظام ما يقدمون عليه، ودلّ قوله:«أو كلما عاهدوا» على عهد بعد عهد نقضوه، ونبذوه، ويدل على أن ذلك كالعادة فيهم، فكأنه تعالى أراد تسلية الرسول عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ عن كفرهم بما أنزل عليه من الآيات بأن ذلك ليس ببدع منهم، بل هو سجيّتهم وعادتهم، وعادة سَلَفهم على ما بيّنه فيما تقدم من نَقْضهم العهود والمواثيق حالاً بعد حال؛ لأن من يعتاد منه هذه الطريقة، فلا يصعب على النفس مُخَالفته كصعوفة مَنْ لم تَجْرِ عادته بذلك.
وفي العهد وجوه:
أحدها: أن الله تعالى لما أظهر الدَّلائل الدَّالة على نبوة محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وعلى صحّة شرعه كان ذلك كالعهد منه سبحانه وتعالى وقبولهم لتلك الدلائل كالمعاهدة منهم لله سبحانه وتعالى.
وثانيها: قولهم قبل مبعثه: لئن خرج النبي لنؤمنن به، ولنخرجن المشركين من ديارهم [قال ابن عباس: لما ذكرهم رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ما أخذ الله تعالى عليهم، وعهد إليهم في مُحَمّد أن يؤمنوا به قال مالك بن الصيف: والله ما عهد إلينا من محمد عهد فنزلت هذه.
قال القرطبي: ويقال فيه: «ابن الصّيف» ويقال: «ابن الضَّيْف» ] .
وثالثها: أنهم كانوا يعاهدون الله كثيراً وينقضونه.
ورابعها: قال عطاء: إن اليهود كَانُوا قد عاهدوا على ألَاّ يعينوا عليه أحداً من الكافرين، فنقضوا ذلك، وأعانوا عليه قريشاً يوم «الخندق» [ودليله قوله تعالى: {الذين عَاهَدْتَّ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنقُضُونَ عَهْدَهُمْ}[الأنفال: ٥٦]«] إنما قال:» نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ «لأن في جملة من عاهد من آمن، أو يجوز أن يؤمن، فلما لم يكن ذلك صفة جميعهم خص الفريق بالذكر، ثم لما كان يجوز أن يظن أن ذلك الفريق هم الأقلّون بين أنهم الأكثر فقال:» بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ «وفيه قولان: