الله مريد لكفر من يكفر قال: ودلَّ قوله: {فأبى أَكْثَرُ الناس إِلَاّ كُفُوراً} على قدرتهم على فعل هذا التذكر؛ إذ لو لم يقدروا لما جاز أن يقال: أبوا أن يفعلوه، كما لا يقال في الزمن أبى أن يسعى.
وقال الكعبي: قوله: {وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُواْ}(حجة على من زعم أن القرآن وبال على الكافرين، وأنه لم يرد بإنزاله أن يؤمنوا، لأن قوله:» ليذَّكَّروا «) عامّ في الكل، وقوله تعالى:{أَكْثَرُ الناس} يقتضي أن يكون هذا الأكثر داخلاً في ذلك العام، لأنه لا يجوز أن يقال أنزلناه على قريش ليؤمنوا فأبى أكثر بني تميم إلا كفوراً.
والجواب قد تقدم مراراً.
قوله تعالى:{وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَّذِيراً} رسولاً ينذرهم، والمراد من ذلك تعظيم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من وجوه:
أحدها: أنه تعالى بين أنه مع القدرة على بعثه نذيراً ورسولاً في كل قرية خصه بالرسالة وفضّله بها على الكل، ولذلك أتبعه بقوله:{فَلَا تُطِعِ الكافرين} أي: لا توافقهم.
وثانيها: المراد: ولو شئنا لخففنا عنك أعباء الرسالة إلى كل العالمين و {لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَّذِيراً} ولكنا قصرنا الأمر عليك وأجللناك وفضلناك على سائر الرسل، فقابل هذا الإجلال بالتشدُّد في الدين.
وثالثها: أن الآية تقتضي مزج اللطف بالعنف، لأنها تدل على القدرة على أن يبعث في كل قرية نذيراً مثل محمد، وأنه لا حاجة بالحضرة الإلهية إلى محمد البتة.
وقوله:«ولَوْ شِئْنَا» يدل على أنه تعالى لا يفعل ذلك. والمعنى: ولكن بعثناك إلى القُرَى كلها وحمَّلناك ثقل نذارة جميعها لتستوجب بصبرك عليه ما أعتدنا لك من الكرامة والدرجة الرفيعة. {فَلَا تُطِعِ الكافرين} فيما يدعونك إليه من موافقتهم وهذا يدل على أن النهي عن الشيء لا يقتضي كون المنهي عنه مشتغلاً به.
قوله:«وَجَاهِدْهُمْ بِهِ» أي: بالقرآن، أو بترك الطاعة المدلول عليه بقوله:«فَلَا تُطِع» ، أو بما دل عليه {وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَّذِيراً} من كونه نذير كافة القرى، أو بالسيف.
والأقرب الأول؛ لأن السورة مكية، والأمر بالقتال ورد بعد الهجرة بزمان، فالمراد بذل الجهد في الدعاء جهاداً كبيراً شديداً.