[الثرثرة: كثرة الكلام وتردده، يقال: ثرثر الرجل فهو ثَرْثار مِهْذَار والمتفيهق نحوه] قال ابن دريد: فلان يتفيهق في كلامه إذا توسّعوتنطَع، قال:«وأصله الفَهْقُ، وهو الامتلاء كأنه ملأ به فمه» .
قال القرطبي رَحِمَهُ اللهُ تعالى: وبهذا المعنى الذي ذكرناه فسره عامر الشعبي راوي الحديث وصعصعة بن صوحان، فقالا: أما قوله صلى لله عليه وسلم: «إنَّ مِنَ البَيَانِ لَسِحْراً» ، فالرجل عليه الحق وهو ألحن بالحُجَج من صاحب الحقّ [فيسحر] القوم ببيانهن فيذهب بالحق، وهو عليه، وإنما يحمد العلماء البلاغة واللسان ما لم تخرج إلى جدّ الإسهاب والإطناب، وتصوير الباطل في صورة الحق.
فإن قيل: كيف يجوز أن يسمى ما يوضح إظهار الحقّ سِحْراً، وهو إنما قصد إظهار الخفي لا إخفاء الظاهر، ولفظ السحر إنما يفيد الظاهر؟
فالجواب: إنما سمي السَحر سحراً لوجهين:
الأول: أن ذلك القَدْر لِلُطْفه وحسنه استمال القلوب، فأشبه السّحر الذي يستميل القلوب من هذا الوجه.
الثاني: أنَّ القادر على البيان يكون قادراً على تحسين ما يكون قبيحاً، وتقبيح ما يكون حسناً فأشبه السحر من هذا الوجه.
فصل في ماهية السحر
قال بعض العلماء: إن السِّحر تخيُّل لا حقيقة له، لقوله تعالى:{يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تسعى}[طه: ٦٦] .
وقيل: إنه حقيقة؛ لأنَّ النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم َ سحره لبيد بن الأعصم فإن السحر أخرج من بئر، وحلت عقوده، وكلما انحلت عقدة خفَّ عنه عليه السلام إلى أن سار كما نشط من عقال.