إِن مَّتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ} كثيرة في الدنيا، يعني كفار مكة، ولم نهلكهم {ثُمَّ جَآءَهُم مَّا كَانُواْ يُوعَدُونَ} يعني: العذاب {مَآ أغنى عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يُمَتَّعُونَ} في تلك السنين، أي: إنهم وإن طال تمتعهم بنعم الدنيا، فإذا أتاهم العذاب لم يغن طول التمتع عنهم شيئاً، ويكون كأنهم لم يكونوا في نعيم قط.
قوله:{مَآ أغنى عَنْهُمْ} يجوز أن تكون» مَا «استفهامية في محل نصب مفعولاً مقدماً، و» مَا كَانُوا «هو الفاعل، و» مَا «مصدرية بمعنى: أيُّ شَيْءٍ أغنى عنهم كونهم متمتعين. وأن تكون نافية، والمفعول محذوف، أي: لَمْ يُغْنِ عنهم تمتعهم شيئاً. وقرىء» يُمْتَعُونَ «بإسكان الميم وتخفيف التاء من: أمْتَعَ اللَّهُ زَيداً بكذا.
قوله:{إِلَاّ لَهَا مُنذِرُونَ} يجوز أن تكون الجملة صفة ل» قَرْيَةٍ «وأن تكون حالاً منها. وسوغ ذلك سبق النفي. وقال الزمخشري: فإن قلت: كيف عزلت الواو عن الجملة بعد» إلَاّ «ولم تعزل عنها في قوله: {وَمَآ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلَاّ وَلَهَا كِتَابٌ مَّعْلُومٌ}[الحجر: ٤] ؟ قلت: الأصل عزل الواو، لأنَّ الجملة صفة ل» قَرْيَةٍ «وإذا زيدت فلتأكيد وصل الصفة بالموصوف، كما في قوله:{سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ}[الكهف: ٢٢] . قال أبو حيان: ولو قدرنا» لَهَا مُنْذِرُونَ «جملة لم يجز أن تجيء صفة بعد (إلَاّ) ، ومذهب الجمهور أنه لا تجيء الصفة بعد» إلَاّ «معتمدة على أداة الاستثناء، نحو: مَا جَاءَنِي أحدٌ إلَاّ رَاكِبٌ، وإذا سمع مثل هذا خرّجوه على البدل، أي: إلَاّ رجل راكب، ويدل على صحة هذا المذهب أنَّ العرب تقول: ما مررت بأحدٍ إلَاّ قائماً ولا يحفظ عنهم» إِلَاّ قَائِم «يعني: بالجر، فلو كانت الجملة صفة بعد» إلَاّ « (لَسُمِعَ الجَرُّ) في هذا.
وأيضاً فلو كانت الجملة صفة للنكرة لجاز أن تقع صفة المعرفة بعد «إِلَاّ» . يعني نحو: مَا مَرَرْتُ بِزَيْدٍ إِلَاّ العَاقِلِ.