للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

القرآن. وجاءت هذه الجمل الثلاثة منفية على أحسن ترتيب، نَفَى أوَّلاً تنزيل الشياطين به، لأنَّ النفي في الغالب يكون في الممكن، وإن كان الإمكان هنا منتفياً ثم نفى ثانياً ابتغاء ذلك، أي: ولو فرض الإمكان لم يكونوا أهلاً له. ثم نفى ثالثاً الاستطاعة والقدرة، ثم ذكر علة ذلك وهي انعازلهم عن السماع من الملأ الأعلى، لأنهم يرجمون بالشهب لو (تَسَمَّعُوا) .

فصل

لما احتج على صدق محمد - عليه السلام - بكون القرآن تنزيل رب العالمين، لوقوعه في الفصاحة القصوى، ولاشتماله على قصص المتقدمين من غير تفاوت، مع أنه - عليه السلام - لم يتعلم من أحد، وكان الكفار يقولون: هذا من إلقاء الجنّ والشياطين كسائر ما ينزل به على الكهنة، فأجاب الله تعالى بأنَّ ذلك لا يستهل للشياطين، لأنهم معزولون عن استماع كلام اهل السماء برجمهم بالشهب. فإن قيل: العلم بكون الشياطين ممنوعين عن ذلك لا يحصل إلا بخبر النبي الصادق فإذا أثبتنا كون محمد - عليه السلام - صادقاً بفصاحة القرآن، وإخباره عن الغيب، ولا يثبت كون الفصاحة والإخبار عن الغيب معجزاً إلا إذا ثبت كون الشياطين ممنوعين عن ذلك.

(فلزم الدور.

فالجواب: لا نسلم أن العلم بكون الشياطين ممنوعين عن ذلك) لا يستفاد إلا من قول النبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لأنا نعلم بالضرورة أن النبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كان يلعن الشياطين، ويأمر الناس بلعنهم، فلو كان ذلك إنما حصل من إلقاء الشياطين لكان الكفار أولى بأن يحصل لهم مثل هذا العلم، فيجب أن يكون اقتار الكفار على مثله أولى. ولما لم يكن كذلك علمنا أن الشياطين ممنوعون، لأنهم معزولون عن تعرف الغيوب. ثم إنه تعالى لما ذكر هذا الجواب خاطب الرسول - عليه السلام - فقال: {فَلَا تَدْعُ مَعَ الله إلها آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ المعذبين} . قال ابن عباس: يحذر به غيره، يقول: أنت أكرم الخلق عليَّ ولو اتخذت إلهاً غيري لعذبتك. وقوله: «فَتَكُونَ» منصوب في جواب النهي.

<<  <  ج: ص:  >  >>