يُسْتَتَاب، وإن أقر بأني كنت أسحر مرة، وقد تركت ذلك منذ زمان قبل منه، ولم يقتل.
وحكى محمد بن شجاع عن علي الرازي قال: سألت أبا يوسف عن قول أبي حنيفة فى السَّاحر: يقتل ولا يُسْتَتَاب لم يكن ذلك بمنزلة المرتد، فقال الساحر جمع مع كفره السعي فى الأرض بالفساد، ومن كان كذلك إذا قَتَل قُتل. واحتج أصحاب الشافعي بأنه لما ثبت أن هذا النوع ليس بكفر، فهو فسق، فإن لم يكن جناية على حق الغير كان فيه التفضيل المتقدم.
وأيضاً فإن ساحر اليهود لا يقتل؛ لأنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ سحره رجل من اليهود يقال له: لبيد من أعصم، وامرأة من يهود «خيبر» يقال لها: زينب فلم يقتلهما، فوجب أن يكون المؤمن كذلك لقوله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ:«لَهُمْ مَا لِلْمُسْلِمِينَ وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَى المُسْلِمِينَ» .
واحتج أبو حنيفة بما روى نافع عن ابن عمر رضى الله عنه أن جارية لحفصة سرحتها، وأخذوها فاعترفت بذلك فأمرت عبد الرحمن بن زيد، فقلتها فبلغ ذلك عثمان، فأنكره فأتاه ابن عمر وأخبره أمرها فكأن عثمان إنما أنكر ذلك، لأنها قتلت بغير إذن، وبما روى عمرو بن دينار أن عمر رَضِيَ اللهُ عَنْه قال:«اقتلوا كل ساحر وساحرة فقتلنا ثلاث سَوَاحر» .
والجواب: لعل السحرة الذين قتلوا كانوا من الكفرة، فإن حكاية الحال تكفي في صدقها صورة واحدة، وأما بقية [أنواع] السحر من الشَّعْوذة، والآلات العجيبة المبينةن على النسب الهندسية، وأنواع التخويف، والتقريع والوهم، فكل ذلك ليس بكفر، ولا يوجب القتل.
قوله:«وَمَا أُنْزِلَ» فيه أربعة أقوال:
أظهرها: أن «ما» موصولة بمعنى «الذي» محلّها النصب عطفاً على «السحر» ، والتقدير: يعلّمون الناس السحر، واتلنزل على الملكين.
الثاني: أنها موصولة أيضاً، ومحلها النصب لكن عطفاً على «مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ» ، والتقدير: واتبعوا ما تتلو الشياطين، وما أنزل على الملكين. وعلى هذا فما بينهما اعتراض، ولا حاجة إلى القول بأن في الكلام تقديماً وتأخيراً.
الثالث: أن «ما» حرف نفي، والجملة معطوفة على الجملة المفنية قَبْلَها، وهي «وما كفر سُلَيْمَان» والمعنى: وما أنزل على الملكين إباحة السحر.
قال القرطبي: و «ما» نافية، والواو للعطف على قوله: [ «وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ» ،