الأكثرون: التي جاءت إلى موسى الكبرى. وقال الكلبي: هي الصغرى. قال ابن الخطيب: وفي الآية إشكالات.
أحدها: كيف ساغ لموسى عليه السلام أن يعمل بقول امرأة، (وَأَنْ يَمْشِي مَعَهَا) وهي أجنبية، فإذن ذلك يورث التهمة العظيمة؟ وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ:«اتَّقُوا مَوَاضِع التُّهَم» .
وثانيها: أنه سقى أغنامها تقرباً إلى الله تعالى، فكيف يليق به أخذ الأجرة عليه، وذلك غير جائز في الشريعة؟ .
وثالثها: أنه عرف فقرَهُنَّ، وفَقْرَ أبيهنّ، وأنه عليه السلام كان في نهاية القوة بحيث يمكنه الكسب بأقل سعي، فكيف يليق بمروءة مثله طلب الأجرة على ذلك القدر من الشيخ الفقير والمرأة الفقيرة؟
ورابعها: كيف يليق بالنبي شُعَيب عليه السلام أن يبعث ابنته الشابة إلى رجل شابٍّ قبل العلم بكون الرجل عفيفاً أو فاسقاً؟
والجواب عن الأول: أما العمل بقول امرأة فإن الخبر يعمل فيه بقول الواحد حراً كان أو عبداً ذكراً كان أو أنثى، وهي ما كانت إلَاّ مخبرة عن أبيها.
وأما المشي مع المرأة فلا بأس به مع الاحتياط والتورع.
وعن الثاني: أن المرأة لما قالت ذلك، فموسى عليه السلام ما ذهب إليهم طالباً للأجر، بل للتبرك بذلك الشيخ، لِما رُوِي أنه لما دخل على شعيب إذا هو بالعَشاء تهيَّأ، فقال: اجلس يا شاب فتعش، فقال موسى: أعوذُ بالله، فقال شُعَيْب: ولم ذلك؟ ألست بجائع؟ فقال: بلى، ولكن أخاف أن يكون هذا عوضاً لما سقيت لهما، وأنا من أهل بيت لا نطلبُ على عملٍ من أعمال الآخرة عوضاً من الدنيا، وفي رواية: لا نبيع ديننا بالدُّنيا، ولا نأخذ بالمعروف ثمناً. فقال شُعيب: لا والله يا شاب ولكنها عادتي وعادة آبائي نقري الضيف، ونطعم الطعام، فجلس موسى، فأكل. وأيضاً فليس بمنكر أن الجوع قد بلغ به إلى حيث ما كان يطيق تحمله، فقبل ذلك اضطراراً، وهو الجواب عن الثالث، فإن الضرورات تبيح المحظورات.
وعن الرابع: لعله عليه السلام كان قد علم بالوحي طهارتها وبراءتها، فكان يعتمد عليها.