وإمّا: جعلناه أوصالاً أي: أنواعاً من المعاني - قاله مجاهد - وقرأ الحسن بتخفيف الصاد وهو قريب مما تقدم، قال ابن عباس ومقاتل: وَصَّلْنَا: بيَّنا لكفار مكة - بما في القرآن من أخبار الأمم الخالية - كيف عذبوا بتكذيبهم، وقال ابن زيد: وصلنا لهم القول: خبر الدنيا بخبر الآخرة، حتى كأنهم عاينوا الآخرة في الدنيا «لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ» ، ثم لما أقام الدلالة على النبوة أكد ذلك بقوله:{الذين آتَيْنَاهُمُ الكتاب} .
قوله:«الَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ» مبتدأ و «هُمْ» مبتدأ ثان و «يُؤْمِنُونَ» خبره، والجملة خبر الأول، و «بِهِ» متعلق ب «يُؤْمِنُونَ» ، وقد يُعَكِّرُ على الزمخشري وغيره من أهل البيان، حيث قالوا: التقديم يفيد الاختصاص وهنا لا يتأتى ذلك، لأنهم لم خصُّوا إيمانهم بهذا الكتاب فقط لزم كفرهم بما عداه وهو عكس المراد وقد أبدى أهل البيان هذا في قوله:{آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا}[الملك: ٢٩] فقالوا: لو قدِّم «به» لأوهم الاختصاص بالإيمان بالله وحده دون ملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وهذا بعينه جارٍ هنا، والجواب: أن الإيمان بغيره معلوم فانصبَّ الغرض إلى الإيمان بهذا.
فصل
قوله:{الذين آتَيْنَاهُمُ الكتاب مِن قَبْلِهِ} أي من قبل محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وقيل: من قبل القرآن {هُم بِهِ يُؤْمِنُونَ} ، قال قتادة: نزلت في (أناسٍ من) أهل الكتاب عبد الله بن سلام وأصحابه. وقال مقاتل: هم أصحاب السفينة الذين قدموا من الحبشة أربعين رجلاً من أهل الإنجيل وآمنوا بمحمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
قال سعيد بن جبير: قدموا مع جعفر من الحبشة على النبي صلى الله الله عليه وسلم لما رأوا ما بالمسلمين من الخصاصة قالوا: يا نبيَّ الله إن لنا أموالاً فإن أذنت لنا انصرفنا فجئنا بأموالنا فواسينا المسلمين بها، فأذن لهم فانصرفوا فأتوا بأموالهم فواسوا بها المسلمين فنزل فيهم {الذين آتَيْنَاهُمُ الكتاب} إلى قوله: {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} ، وعن ابن عباس قال: نزلت في ثمانين من أهل الكتاب أربعون من نجران واثنان وثلاثون من الحبشة وثمانية