والدعوة إلى الجنة، أو تعريف طريق الجنة أو خلق المعرفة على سبيل الإلجاء، (أو خلق المعرفة في القلوب لا على سبيل الإلجاء) لا جائز أن يكون المراد (بيان الأدلة، لأأنه عليه السلام هدى الكل بهذا المعنى فهي غير) الهداية التي نفى الله عمومها وكذا القول في الهداية بمعنى الدعوة إلى الجنة، وأما الهداية بمعنى تعريف الجنة فهي أيضاً غير مرادة، لأنه تعالى علَّق هذه الهداية على المشيئة. فمن وجب عليه أداء عشرة دنانير لا يقول أعطي عشرة دنانير إن شئت، وأما الهداية بمعنى الإلجاء والقسر فغير جائز. لأن ذلك عندهم قبيح من الله تعالى في حق المكلف، وفعل القبيح مستلزم للجهل أو الحاجة وهما محالان، ومستلزم المحال محال، فذلك محال من الله والمحال لا يجوز تعليقه على المشيئة، ولما بطلب الأقسام لم يبق إلَاّ أن المراد أنه تعالى يخصُّ البعض بخلق الهداية والمعرفة ويمنع البعض منها {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ}[الانبياء: ٣] وإذا أورد الكلام على هذا الوجه سقط ما أورد القاضي عذرا عن ذلك.
قوله:{وَهُوَ أَعْلَمُ بالمهتدين} أي أنه المختص بعلم الغيب فيعلم من يهتدي ومن لا يهتدي، ثم إنه تعالى حكى عنهم شبهة أخرى متعلقة بأحوال الدنيا وهي قولهم: إن نَتَّبع الهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ من أرْضِنَا، قال المبرد: الخطف الانتزاع بسرعة نزلت في الحارث بن نوفل بن عبد مناف قال للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إنَّا لنعلم أنَّ الذي تقوله حقٌّ ولكنا إن اتَّبعناك على دينك خفنا أن تخرجنا العرب من أرضنا مكة، فأجاب الله عنه من وجوه الأول: قوله: {أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَماً آمِناً} ، أي أعطاكم مسكناً لا خوف لكم فيه، إما لأن العرب يحترمون الحرم ولم يتعرضوا لسكانه، فإنه يروى أن العرب خارجة الحرم كانوا لا يتعرَّضون لساكن الحرم.
قوله:«نُتَخَطَّفُ» العامة على الجزم جواباً للشرط، والمنقريّ بالرفع، على حذف الفاء، كقوله: