والحكمة في افتتاح السور التي فيها الكتاب والتنزيل والكتاب بالحروف (و) هي أن القرآن عظيم، والإنزال له أثقل، كما قال تعالى:{إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً}[المزمل: ٥] ، فكذلك قدم عليها تنبيه يُوجِبُ ثبات المخاطب لاستماعه.
لا يُقالُ: كل سورة قرآن، واستماعها استماع للقرآن، سواء كان فيها ذكر الكتاب أو التنزيل أو القرآن أو لم يكن فيجب أن يكون في أول كل سورة (منبه) ، وأيضاً فقد وردت سور فيها ذكر الإنزال، والكتاب، وليس فيها حروف، كقوله تعالى:{الحمد لِلَّهِ الذي أَنْزَلَ على عَبْدِهِ الكتاب وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا}[الكهف: ١]{سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا}[النور: ١]{تَبَارَكَ الذي نَزَّلَ الفرقان على عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً}[الفرقان: ١]{إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ القدر}[القدر: ١] لأنا نقول جواباً عن الأول: (لا ريب) في أن كل سورة من القرآن، لكن السورة التي فيها ذكر القرآن والكتاب - مع أنهما من القرآن - فيها تنبيه على كل القرآن، فإن قوله تعالى:{طه مَآ أَنَزَلْنَا عَلَيْكَ القرآن لتشقى}[طه: ١ - ٢] مع أنها بعض القرآن فيها ذكر جميع القرآن، فيصير مثاله كتاب يَردُ من مَلِكٍ على مملوكه فيه شُغْلٌ ما، وكتاب آخر يدر منه عليه فيه:«إنَّا كَتبنا إليك كتاباً فيه أمرُنا فامتثلْه» فلا شك أن هذا الكتاب الآخر أكثر ثقلاً من الأول.
وعن الثاني: أن قوله: «الحمد لله، وتبارك الذي» تسبيحات مقصودة، وتسبيح الله لا يَغْفَلُ عنه العبد، فلا يحتاج إلى منبه، بخلاف الأوامر والنواهي، وأما ذكر الكتاب فيها فلبيان وصف عظمةِ مَنْ له التسبيح، و «سورة أنزلناها» قد بينا أنها بعض من القرآن فيها ذكر إنزالها، وفي السورة التي ذكرناها ذكر جميع القرآن فهو أعظم وأثقل.
وأما قوله تعالى:«إنا أنزلناه» فهذا ليس وُرُداً على مشغول القلب بشيء غيره، بدليل أنه ذكر الكتاب فيها وهي ترجع إلى مذكور سابق أو معلوم عند النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فكان منبهاً له فلم يُنَبَّهْ.
واعلم أن التنبيه قد حصل في القرآن بغير الحروف التي لا يفهم معناها، كقوله تعالى:{يا أيها الناس اتقوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ الساعة شَيْءٌ عَظِيمٌ}[الحج: ١] ، وقوله:{ياا أَيُّهَا النبي اتق الله}[الأحزاب: ١] ، {يا أيها النبي لِمَ تُحَرِّمُ}[التحريم: ١] لأنها أشياء هائلة