فالجواب: إن إنجاء السفينة شيء يتسع له العقول، فلم يكن فيه من الآية إلا إعلام الله تعالى إياه بالإنجاء وقت الحاجة بسبب أن الله تعالى صان السفينة عن المهلكات كالرياح، وأما الإنجاء من النار فعجيب فقال فيه لآيات فإن قيل: ما الحكمة في قوله تعالى هنا: «آيةٌ لِلْعَالِمِينَ» وقال هنا «لقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ» فخص الآيات بالمؤمنين؟
فالجواب: أن السفينة بقيت أعواماً حتى مرّ عليها الناس ورأوها فحصل العلم بها لكل أحد، وأما تبريد النار فلم يبق فلم يظهر (لمن بعده) إلا بطريق الإيمان والتصديق، وفيه لطيفة (وهو) أن الله تعالى لما بَرَّد النار على إبراهيم بسبب اهتدائه في نفسه وهدايته لأبناء جنسه، وقد قال الله تعالى للمؤمنين بأن لهم أسوة في إبراهيم، فحصل للمؤمنين بشارة بأن الله تبارك وتعالى يبرد عنه النار يوم القيامة، فقال:{إِنَّ فِي ذلك لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} ، فإن قيل: لم قال هناك: «جَعَلْنَاها» ، (وقال هنا جَعَلْنَاهُ) ؟
فالجواب: لأن السفينة ما صارت آية في نفسها، ولولا خلق الله الطوفان لبقي فعل نوح (سفهاً) فالله تعالى جعل السفينة بعد وجودها آية، وأما تبريد النار فهو في نفسه (آية) إذا وجدت لا تحتاج إلى شيء آخر كخلق الطوفان حتى يصير آيةً.
قوله:«إنَّمَا اتَّخَذْتُمْ» في «ما» هذه ثلاثة أوجه:
أحدها: أن تكون موصولة بمعنى الذي، والعائد محذوف وهو المفعول الأول، و «أَوْثَانًا» مفعول ثان، والخبر «مَوَدَّةُ» في قراءة من رفع كما سيأتي، والتقدير: إنْ الذي اتَّخَذْتُمُوهُ أوْثَاناً مودةٌ أي ذو مودة أو جعل نفس المودة محذوف على قراءة من نصب «مَوَدَّةً» أي الذي اتخذتموه أوثاناً لأجل المودة لا تنفكم، أو يكون «عليكم» لدلالة قوله: {ثُمَّ يَوْمَ القيامة يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ} .
والثاني: أن تجعل «ما» كافة، و «أوثاناً» مفعول به، والاتخاذ هنا يتعدى لواحد