قال القُرْطبي: و» أن «في موضع نصب، أي بأن ينزل.
قوله:» مِنْ خَيْرٍ «هذا هو القائم مقام الفاعل، و» من «زائدة، أي: أن ينزل خير من ربكم.
وحسن زيادتها هنا، وإن كان» ينزل «لم يباشره حرف النفي؛ لانسحاب النفي عليه من حيث المعنى؛ لأنه إذا نفيت الوَدَادَة انتفى متعلّقها، وهذا له نظائر في كلامهم نحو:» ما أظن أحداً يقول ذلك إلاّّ زيد «برفع» زيد «بدلاً من فاعل» يقول «وإن لم يباشر النفي، لكنه قوة:» ما يقول أحد ذلك إلَاّ زيد في ظني «.
وقوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ الله الذي خَلَقَ السماوات والأرض وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ} [الأحقاف: ٣٣] زيدت» الباء «؛ لأنه في معنى: أو ليس الله بقادر، وهذا على رأي سيبويه وأتباعه.
وأما الكوفيّون والأخفش فلا يحتاجون إلى شيء من هذا.
وقيل «من» للتبعيض، أي: ما يودون أن يُنَزَّل من الخير قليل ولا كثير، فعلى هذا يكون القائم مقام الفاعل: «عليكم» ، والمعنى: أن ينزل عليكم بخير من الخُيُور.
والمراد بالخير هنا الوَحْي.
والمعنى: أنهم يرون أنفسهم أحقّ بأن يوحى إليهم فيحسدونكم، فبيّن سبحانه وتعالى أن حسدهم لا يؤثّر في زوال ذلك بقوله: {اللهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ} .
قوله: «مِنْ رَبِّكُمْ» في «من» أيضاً قولان:
أحدهما: أنها لابتداء الغاية، فتتعلّق ب «ينزّل» .
والثاني: أنها للتبعيض، ولا بد حينئذ من حّذْف مضاف تقديره: من خُيُور ربّكم، وتتعلق حينئذ بمحذوف، لأنها ومجرورها صفة لقولهك «من خير» أي: من خير كائن من خُيُور ربكم، ويكون في محلّها وجهان:
الجر على اللفظ، والرفع على الموضع، لأن «من» زائدة في «خير» ، فهو مرفوع تقديراً لقيامه مقام الفاعل كما تقدم.
وتلخص مما تقدم أن في كل واحدة من لفظ «ممن» قولين:
الأول: قيل: إنها للتبعيض، وقيل: أو لبيان الجنس.
وفي الثانية قولان: زائدة أو للتعبيض.
وفي الثالثة: أيضاً قولان: لابتداء الغاية، أو التبعيض.
قوله: {واللهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ} هذه جملة ابتدائية تضمنت ردّ وَدادَتهم ذلك.