فإن قيل: القوم عذبوا بسبب ما صدر منهم من الفاحشة وامرأته لم يصدر منها ذلك. فكيف كانت من الغابرين معهم؟
فالجواب: أن الدالّ على الشر كفاعل الشر كما أن الدال على الخير كفاعله، وهي كانت تدل القوم على ضيوف لوط حتى كانوا يقصدونهم فبالدلالة صارت كأحدهم، ثم إنهم بعد بشارة «لوط» بالتنجية ذكروا أنهم مُنْزِلُونَ على أهل هذه القرية العذاب.
واختلفوا في ذلك، فقيل: حجارة، وقيل: نار، وقيل: خَسْف، وعلى هذا يكون قولهم:{رِجْزاً مِّنَ السمآء} بمعنى أن الأمر من السماء بالخسف والقضاء به من السماء، واعلم أن كلام الملائكة مع لوط جرى على (نمط) كلامهم مع إبراهيم، فقدموا البشارة على إنزال العذاب، فقالوا:«إنا منجوك» ثم قالوا: «إنا مُنْزِلُونَ» ولم يعللوا التنجية، فلم يقولوا: إنا منجوك لأنك نبي أو عابدٌ، وعللو الإهلاك، فقالوا:{بما كانوا يفسقون} كقولهم هناك: {إِنَّ أَهْلَهَا كَانُواْ ظَالِمِينَ} .
قوله:{وَلَقَد تَّرَكْنَا مِنْهَآ آيَة} فيها وجهان:
أحدهما: أن بعضها «باقٍ» وهو آية باقية إلى اليوم، والمعنى تركنا من قريات (قوم) لوط آية بيّنة عبرة ظاهرة.
الثاني: أن «من» مزيدة، وإليه نحا الفراء أي تركناها أية كقوله:
- ٤٠٢٩ أَمْهَرْتُ مِنْهَا جُبَّةً وَتَيْسَا ... أي أمهرتها، وهذا يجيء على رأي الأخفش، أي ولقد تركنا القرية. والقربة معلومة، وفيها الماء الأسود وهي بين القدس والكرك.
فإن قيل: كيف جعل الآية في «نوح» و «إبراهيم» بالنجاة فقال: {فأَنْجَيْناهُ وأَصْحَابَ السفينة وَجَعَلْنَاهَآ آيَةً لِّلْعَالَمِينَ}[العنكبوت: ١٥] . وقال:{فَأَنْجَاهُ الله مِنَ النار (إِنَّ فِي ذلك لآيَاتٍ}[العنكبوت: ٢٤] ، وجعل ههنا الهلاك آية.