فإن قيل: إذا كانت «عباده» لا تتناول إلا المؤمنين فما الفادئة في قوله: «الذين آمنوا» مع أن الوصف إنما يذكر لتمييز الموصوف كما يقال: يا أيها المكلفون المؤمنون، يا أيها الرجلاء العقلاء تتمييزاً بين الكافر والجاهل؟
فالجواب: أن الوصف يذكر لا لتمييز بل لمجرد بيان أن فيه الوصف كما يقال: الأنبياءُ المُكَرَّمُونَ والملائكة المطهَّرُونَ، مع أن كل نبي مكرمٌ، وكل ملك مطهرٌ، فإنما يقال لبيان أن فيهم الإكرامَ والطهارة، ومثله قولنا: الله الله العظيم فهاهنا ذكر لبيان أنهم مؤمنون.
فإن قيل: قوله: «يا عبادي» يفهم منه كونهم عابدين فما الفائدة بالأمر بالعبادة بقوله: «فَاعْبُدُونِ» ؟
فالجواب: فيه فائدتان:
أحدهما: المداومة أي يا من عَبَدْتُمُونِي في الماضي فاعْبُدُوني في المستقبل.
والثانية: الإخلاص أي يا من يعبدني أَخْلِص العمل ولا تَقْبَلْ غيري.
فإن قيل: الفاء في قوله: «فَإِيَّايَ» يدل على أنه جواب لشرطٍ فما ذاك؟
فالجواب: قوله: {إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ} إشارة إلى عدم المانع من عبادته فكأنه قال: إذا كان لا مانع من عبادتي فإياي فاعبدون فهو لترتيب المقتضَى على المقتضي كما يقال: هذا عالمٌ فأكرموه.
فكذلك هاهنا لما أعلم نفسه بقوله:«فَإيَّايَ» وهو لنفسه مستق العبادة، فقال:«فَاعْبُدُونِ» . قال الزمخشري:«هذا جواب شرط مقدر، وجعل تقديم المفعول عوضاً من حذفه مع إفادته للاختصاص» . وقد تقدم مُنَازَعُه أبي حيان له في نظيره.
قوله تعالى:{كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الموت ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} قرأه بالغيبة أبو بكر، وكذا في الروم في قوله:{ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} وافقه أبو عمرو في الروم فقط