قولا سيبويه والفارسي، والمعنى حين صبروا على دينهم وعلى البلاء من عدوهم بمضّرَ.
قوله:{إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ القيامة فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} هذا يصلح أن يكون جواباً لسؤال وهو أنه تعالى لما قال: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ} فكان لقائل أن يقول: كيف يَهْدُونَ وهم اختلفوا وصاروا فِرَقاً والحق واحد؟ فقال (الله) يبين المبتدع من المتبع كما يبين المؤمن من الكافر يوم القيامة.
قوله:{أَوَ لَمْ يَهْدِ لَهُمْ} بتبين لهم {أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِمْ مِّنَ القرون يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ} لما أعاد ذكر الرسالة أعاد ذكر التوحيد وقال: {أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِمْ} وقوله {يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ} أي مساكن المُهْلَكِينَ (لدلالة على حالتهم) وأنتم تمشون فيها وتبصرونها {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ أَفَلَا يَسْمَعُونَ} آيات الله وعِظَاته واعتبر السمع لأنهم ما كان لهم قوة الإدراك بأنفسهم والاستنباط بعقولهم فقال: «أفلا يسمعون»(يعني) ليس لكم درجة المتعلم الذي يسمع الشيء ويفهمه.
قوله:{أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَسُوقُ المآء إِلَى الأرض الجرز} قرىء الجُرْز - بسكون الراء - وتقدم أول الكهف. وهي الأرض اليابسة الغليظة التي لا نبات فيها، قال ابن عباس: هي أرض باليمن، وقال مجاهد: هي أرض بأنين. والجرز هو القطع فكأنها المقطوع عنها الماء والنبات. لما بين الإهلاك وهو الإماتة بين الإحياء ليكون إشارة إلى أن الضرر والنفع بيد الله ثم قال:{فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ} من العشب والتبن «وأَنْفُسُهُمْ» من الحبوب والأقوات، وقدم الأنعام على الأنفس في الأكل لوجوه:
الأول: أن الزرع أول ما ينبت للدوابِّ ولا يصلح للإنسان.
الثاني: أن الزرع غذاء للدواب لا بدّ منه وأما غذاء الإنسان فقد يصلح للحيوان فكان الحيوان يأكل الزرع ثم الإنسان يأكل من الحيوان.
قوله:«أَفَلَا يُبْصِرُونَ» قرأ العامة بالغيبة، (وابن مسعود) بالخطاب التفاتاً.