للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

فصل

قال ابن عباس المراد هنا بالفاحشة النشوز وسوء الخلق، وقيل: هو كقوله تعالى: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزمر: ٦٥] . واعلم أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لما خير نساءه واخترن الله ورسوله أدبهن الله وهددهن بالتوقي عما يسوء النبي ويقبح بهن من الفاشحة التي هي أصعب على الزوج من كل ما يأتي به زوجته وأوعدهن بتضعيف العذاب وفيه حكمتان.

إحدهما: أن زوجة الغير تعذب على الزنا بسبب ما في الزنا من المفاسد وزوجة النبي تعذب إن أتت به لذلك ليذاء قلبه والإزراء بمَنْصِبِه وعلى هذا بنات النبي عليه السلام كذلك ولأن امرأة لو كانت تحت النبي عليه السلام وأتت بفاحشة تكون قد اختارت غير النبي على النبي ويكون ذلك الغير خيراً عندها من النبي وأولى والنبي أولى من النفس التي هي أولى من الغير فقد نزلت منصب النبي مرتبتين فتعذب من العذاب ضعفين.

وثانيهما: أن هذا إشارة إلى شرفهن، لأن الحرة عذبها ضعف عذاب الأمة إظهاراً لشرفها ونسبة النبي إلى غيره من الرجال نسبة السادات إلى العبيد لكونه أولى بهم من أنفسهم فكذلك زوجاته اللائي هن أمهات المؤمنين، وأم الشخص امرأة حاكمة عليه واجبة الطاعة وزوجته مأمورة محكومة له وتحت طاعته فصارت زوجة الغير بالنسبة إلى زوجة النبي عليه السلام كالأَمَةِ بالسنبة إلى الحرة، واعلم أن قول القائل من يفعل ذلك في قوة قوله: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} من حيث إن ذلك ممكن الوقوع في أول النظر ولا يقع في بعض الصور جزماً وفي بعض (يقعُ) جزماً، وفي البعض يتردد السامع في الأمرين، فقوله تعالى: {مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ} من القبيل الأولى فإن الأنبياء صار الله زوجاتهم عن الفاحشة ثم قال: {وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى الله يَسِيراً} أي ليس كونكن تحت النبي عليه السلام وكونكنّ شريفات جليلات مما يدفع العذاب عنكن فليس أمر الله كأمر الخلق حيث يتعذر عليهم تعذيب الأعزة بسبب كثرة أوليائهم وأعوانهم وشفعائهم وإخوانهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>