يجعل له حداً ينتهي إليه ولم يعذر أهله في تركه إلا مغلوباً على عقله وأمرهم به في الأحوال كلها، فقال:{فاذكروا الله قِيَاماً وَقُعُوداً وعلى جُنُوبِكُمْ}[النساء: ١٠٣] وقال: {اذكروا الله ذِكْراً كَثِيراً} أي بالليل والنهار، والبرِّ والبحر والصحة والسِّقَم في السر والعلانية وقال مجاهد: الذكر الكثير أن لا ينساه أبداً {وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً} أي صلوا له بكرة يعني صلاة الصبح و «أصيلاً» يعني صلاة العصر، وقال الكلبي:«وأصيلاً» صلاة الظهر والعصر والعشاء، وقال مجاهد معناه: قولوا: سبحانَ اللَّهِ والحمدُ لله ولا إله إلا الله واللَّه أكبر ولا حَوْلَ ولا قوة إلى بالله فعبر بالتسبيح عن أخواته، وقيل: المراد من قوله: «ذكْراً كَثيراً» هذه الكلمات يقولها الطاهرُ والخبيثُ والمحدث.
قوله:{هُوَ الذي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ} الصلاة من الله الرحمة، ومن الملائكة الاستغفار للمؤمنين فذكر صلاته تحريضاً للمؤمنين على الذكر والتسبيح، قال السدي: قالت بنو إسرائيل لموسى: أيصلي ربنا؟ فكَبُرَ هذا الكلام على موسى فأوحى الله إليه قل لهم: إنِّي أصلي وإن صلاتي رحمتي وقد وسعت رحمتي كُلَّ شيء. وقيل: الصلاة من الله هي إشاعة الذكر الجميل له في عباده، وقيل: الثناء عليه. قال أنس: لما نزلت إن الله وملائكته يصلون على النبي قال أبو بكر: ما خَصَّك الله يا رسول الله بشرف إلا وقد أشركنا فيه فأنزل الله عَزَّ وَجَلَّ هذه الآية.
قوله:«ومَلَائِكَتُهُ» إما عطف على فاعل «يصلي» ، وأغنى الفصل بالجار عن التأكيد بالضمير، وهذا عند من يرى الاشتراك أو القدر المشترك أو المجاز؛ لأن صلاة الله غير صلاتهم. وإما مبتدأ وخبره محذوف، أي «وملائكته يصلون» وهذا عند من يرى شيئاً مما تقدم جائزاً إلا أن فيه بحثاً، وهو أنهم نصوا على أنه إذا اختلف مدلولاً الخبرين فلا يجوز حذف أحدهما لدلالة الآخر عليه وإن كانا بلفظ واحد، فلا تقول:«زَيْدٌ ضَاربٌ وَعَمرٌو» يعني وعمرو ضاربٌ في الأرضِ أي مُسِافِرٌ.