قوله:{يا أيها النبي إِنَّآ أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً} أي شاهداً للرسل بالتبليغ «وَمُبَشِّراً» لمن آمن بالجنة و «نَذِيراً» لمن كذب بالنار «فشاهداً» حال مقدرة، أو مقارنة لقرب الزمان {وَدَاعِياً إِلَى الله} إلى توحيده وطاعته، وقوله «بِإِذْنِهِ» حال أي ملتبساً بتسهيله، ولا يريد حقيقة الإذن لأنه مستفاد من «أَرْسَلْنَاكَ» .
قوله:«وَسِرَاجاً» يجوز أن يكون عطفاً على ما تقدم، إما على التشبيه، إما على حذف مضاف أي ذا سراج، وجوز الفَرَّاءُ أن يكون الأصل: وتالياً سراجاً، ويعني بالسِّراج القرآن، وعلى هذا فيكون من عطف الصفات وهي لذات واحدة، لأن التالي هو المرسل. وجوز الزمخشري أن يعطف على مفعول «أَرْسَلْنَاكَ» وفيه نظر لأن السراج هو القرآن ولا يوصف بالإرسال بل بالإنزال إلَاّ أن يقال: إنه حمل على المعنى كقوله:
وأيضاً فيغتفر في الثواني ما لا يغفتر في الأوائل، وقوله:«مُنِيراً» لأنه يهتدى به كالسِّراج يستضاء به في الظلمة. واعلم أنَّ في قوله:«سِرَاجاً» ولم يقل: إنه شمس مع أن الشمس أشد إضاءة من السراج فائدةً وهي أن نور الشمس لا يؤخذ منه شيء، والسراج يؤخذ منه أنوار كثيرة إذا انطفى الأول يبقى الذي أخذ منه وكذلك إن غاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كان كُلُّ صحابي كذلك سراجاً يؤخذ منه نور الهداية كما قال عليه (الصلاة و) السلام:
«أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ بِأَيِّهِمُ اقْتَدَيْتُمُ اهْتَدَيْتُمْ» وفي هذا الخبر لطيفة وهي أن النبي عليه (الصلاة و) السلام لم يجعل أصحابه كالسرج وجعلهم كالنجوم لأن النجم لا يؤخذ منه (نور) بل له في نفسه نور إذا غرب لا يبقى نور مستفاد منه فكذلك الصحابي إذا مات فالتابعي يستنير بنور النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ولو جعلهم كالسِّراج والنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كان سراجاً كان للمجتهد أن يَسْتَنِيرَ بمَنْ أراد منهم، ويأخذ النور مِمَّن اختار وليس كذلك فإن مع