وقوله تعالى: {فَقَدْ ضَلَّ سَوَآءَ السبيل} قرىء بإدغام الدَّال في الضاد وإظهارها.
و «سواء» قال أبو البقاء: سواء السبيل ضرف بمعنى وسط السبيل وأعدله، وهذا صحيح فإن «سواء» جاء بمعنى وسط.
قال تعالى: {فِي سَوَآءِ الجحيم} [الصافات: ٥٥] .
وقال عيسى بن عمر: ما زلتُ أكتب حتى انقطع سَوَائِي؛ وقال حَسَّان: [الكامل]
٧٣١ - يَا وَيْحَ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ورَهْطِهِ ... بَعْدَ الْمُغَيَّبِ فِي سَوَاءِ المْلْحَدِ
ومن مجيئه بمعنى العدل قول زهير: [الوافر]
٧٣٢ - أَرُنَا خُطَّةً لَا عَيْبَ فِيهَا ... يُسَوِّي بَيْنَنَا فِيْهَا السَّوَاءُ
والغرض من هذه الآية التشبيه دون نفس الحقيقة، ووجه التشبيه في ذلك أن من سلك طريقة الإيمان، فهو جَارٍ على الاستقامة المؤدية إلبى الفوز والظّفر بالطلبة من الثواب والنعيم، فالمُبَدِّل لذلك بالكفر عادل عن الاستقامة فقيل فيه: إنه ضل سواء السبيل.
والسبيل يذكر ويؤنث: {قُلْ هذه سبيلي} [يوسف: ١٠٨] .
والجملة من قوله: «فقد ضَلَّ» في محل جزم؛ لأنها جزاء الشرط، والفاء واجبة هنا لعدم صلاحيته شرطاً.
فصل في المخاطب بهذا
في المخاطب بهذا ثلاثة أوجه:
أحدها: [أنهم المسلمون قاله الأصم، والجُبَّائي، وأبو مسلم، ويدل عليه وجوه:
أحدها: أن قوله تعالى] : «أَمْ تُرِيدُونَ» يقتضي معطوفاً عليه وهو قوله: «لَا تَقُولُوا رَاعِنَا» فكأنه قال: وقولوا: انظرنا واسمعوا فهل تفعلون ذلك كما أمرتم أم تريدون أن تسألوا رسولكم؟
وثانيها: أن المسلمين كان يسألون محمداً صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وشرف وكرم وبجل وعظم عن أمور لا خير لهم في البَحْثِ عنها ليعلموها كما سأل اليهود موسى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ مالم يَكُنْ لهم فيه خير عن البحث عنه.
وثالثها: سأل قوم من المسلمين أن يجعل لهم ذات أَنْواطٍ كما كان للمشركين ذات