وتقدم تقريرهذا آخر الفاتحة، وجاء قوله:{قَالَ الذين استكبروا} بغير عاطف؛ لأنه جواب لقول الضَّعَفَةِ فاستؤنف بخلاف قوله:{وَقَالَ الذين استضعفوا} فإنه لم يكن جواباً لعطف، والضمير في «وَأسَرُّوا النَّدَامَةَ» للجميع للإتباع والمتبوعين.
فصل
لما اعترف المستضعفون وقالوا بل مكر الليل والنهار منعنا ثم قالوا لهم إنكم وإن كنتم ما أتيتم بالصارف القطعي والمانع القوي ولكن انضم أمركم إيانا بالكفر إلى طول الأمد وامتداد المدد فَكَفرنَا فكان قولكم جزْءاً لسبب وقولهم «إذْ تَأمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ» أي ننكره «ونَجْعَلَ لَهُ أَنْداداً» هذا يبين أن المشرك بِاللَّهِ مع أنه في الصورة مثبت لكنه في الحقيقة منكر لوجود الله لأن من يساويه بالمخلوق المنحوت لا يكون مؤمناً به.
فصل
قوله أولاً يَرْجعُ بَعْضُهْم إلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذينَ اسْتَضْعِفُوا بلفظ المستقبل وقوله في الآيتين الآخيرتين:«وقَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا، وقَالَ الَّذِين اسْتَضْعِفُوا» بلفظ الماضي مع أن السؤال والمراجعة في القول لم يقع إشارة إلى أن ذلك لا بدّ من وقوعه فإن الأمر الواجب الوقوع كأنه وقع كقوله تعالى: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَّيِّتُونَ}[الزمر: ٣٠] وأما الاستقابل فعلى الأصل.
قوله:{وَأَسَرُّواْ الندامة لَمَّا رَأَوُاْ العذاب} أي أنهم يتراجعون القول ثم إذا جاءهم العذاب الشاغل يسرون ذلك التراجع الدال على الندامة، وقيل: معنى الإسراء الإظهار وهو من الأضداد أي أظهروا الندامة ويحتمل أن يقال: بأنهم لما تراجعوا في القول رجعوا إلى الله بقولهم أبْصَرْنا وسَمِعْنَا فارْجِعْنَا نَعْمَلُ صَالِحاً وأجيبوا بأن لا مرد لكم فأسرُّوا ذلك القول، وقوله:{وَجَعَلْنَا الأغلال في أَعْنَاقِ الذين كَفَرُواْ} أي الأتباع والمتبوعين جميعاً في النار، وهذا إشارة إلى كيفية عذابهم {هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَاّ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} من الكفر والمعاصي في الدنيا.