المعنى: وَمَا أَنْقَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ أي يعطي خلقه قال سعيد بن جبير: ما كان في غير إسْرِافٍ ولا تَقْتِير فهْو يُخْلِفُه وقال الكلبي: ما تصدقتم من صدقة وأنفقتم في الخير من نَفَقَةٍ فهو (ينفقه) ويخلفه على المُنْفِق إما أن يعجَّل له في الدنيا وإما أن يدَّخِرَ له في الآخرة. «وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ» خَيْرُ من يعطي ويرزق، رَوَى أبو هريرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إن الله قال:«أنْفِقْ أُنْفِقْ عليك» وقال - عليه (الصلاة و) السلام -: «مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبحُ فِيهِ العِبَادُ إلَاّ وَيَنْزِلُ (فِيهِ) مَلَكَا (ن) فيقولُ أحدهما: اللَّهُمّ أَعْطِ مُنْفِقاً خَلَفاً ويقول الآخَرُ: اللَّهُمَّ أعْطِ مُمْسِكاً تَلَفاً» وإنما جمع الرازقين من حيث الصورة لأن الإنسان يرزق عياله من رزق الله والرازق للكل في الحقيقة إنما هو الله، واعلم أنَّ خير الرازقين يكون أمور أن لا يؤخر في وقت الحاجة وأن لا يَنْقُصَ من قد الحاجة وأن لا ينكده بالحساب وأن لا يُكَدِّره بطلب الثواب والله تعالى كذلك.
فإن قيل: قوله: {وَهُوَ خَيْرُ الرازقين} ينبئ عن كثرة الرّازقين ولا رازق إلَاّ الله.
فالجواب: أن يقال: الله خير الرازقين الذين تظنونهم رازقين وكذلك في قوله تعالى: {أَحْسَنُ الخالقين}[المؤمنون: ١٤] وأيضاً فإن الصفات منها ما هو لله وللعبد حقيقة كالعلم بأن الله واحد فإن الله يعلم أنه واحد، والعبد يعلم أنه واحدٌ حقيقة ومنها ما يقال للَّهِ حقيقةً وللعبد مجازاً مثل الرزَّاق والخَالِق فإن العبد إذا أعطى غيره شيئاً فالله هو المعطي في الحقيقة ولكن لما وجدت صورة العطاء من العبد سُمّي معطياً وهذا منه.