نحن نعبد الملائكة والكواكب قال قتادة: هذا استفهام تقرير كقوله تعالى لعيسى {أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتخذوني وَأُمِّيَ إلهين}[المائدة: ١١٦] فيقول: « (أَ) هَؤُلَاءِ إيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ» فتبرأ منهم الملائكة فيقولون: «سُبْحَانَكَ» تنزيهاً لك «أنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ» أي نحن نتولاك ولا نتولاهم يعني كونك ولي بالعبودية أولى وأحب إلينا من كونهم أولياءنا بالعبادة لنا فقالوا: « (بَلْ) كَانُوا يَعْبُدُونَ الجِنَّ» أي الشياطين فهم في الحقيقة كانوا يعبدون الجن ونحن (كنا) كالقِبْلة لهم.
فإن قيل: فهم كانوا يعبدون الملائكة فما وجه قولهم يعبدون الجن؟ قيل: أراد أن الشياطين زينوا لهم عبادة الملائكة فهم كانوا يُطيعون الشياطين في عبادة الملائكة فقوله: «يعبدون» أي يطيعون الجن ولعبادة هي الطاعة «أكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ» أي مصدِّقون الشياطين.
فإن قيل: جميعهم كانوا متابعين للشياطين فما وجه قوله: {أكْثَرُهُمْ بِهِمْ} فإنه يدل على أنَّ بَعْضَهُم لم يؤمن بهم ولم يُطِعْهُمْ؟
فالجواب من وجهين:
أحدهما: أن الملائكة أحتظروا عن (دَعْوى) الإحاطة بهم فقالوا: أكثرهم لأنَّ الَّذِين رأوهم وأطلعوا على أحوالهم كانوا يعبدون الجنَّ ويؤمنون بهم ولعلَ في لاوجود من لم يُطْلع الله الملائكة عليه من الكفار.
الثاني: هو أن العبادة علم ظاهر والإيمان عمل باطن فقالوا بل يعبدون الجن لاِّطلاعهم على أعمالهم وقالوا أكثرهم بهم مؤمنون عند عمل القلب لئلا يكونوا مدعين اطّلاعهم على ما في القلوب فإن القلب لا يطلع على من فيه إلا الله كما قال:
{إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصدور}[هود: ٥] .
ثم بين أن ما كانوا يعبدون لا ينفعهم فقال:{فاليوم لَا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَّفْعاً وَلَا ضَرّاً} . وهذا الخطاب يحتم أن يكون مع الملائكة لسبق قوله:{أهؤلاء إِيَّاكُمْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ} وعلى هذا يكون تنكيلاً للكافرين حيث بيّن لهم أن معبودهم لا ينفعهم ولا يضر. ويصحح هذا قوله تعالى:«لا يملكون الشّفاعة إلا لمن ارتضى» .
ولقوله بَعْدَه:{وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا} ولو كان المخاطب هم الكفار لقال: «