قوله:{مَا بِصَاحِبكُمْ مِنْ جِنَّةٍ} وفي «ما» هذه قولان:
احدهما: أنها نافية
والثانية: أنها استفهامية لكن لا يراد به حقييقة الاستفهام فيعود إلى النفي. وإذا كانت نافية فهل هي معلقة أو مستأنفة أو جواب القسم الذي تضمنه معنى «تَتَفَكَّرُوا» لأنه فعل تحقيق كتَبَيَّنَ وبابه؟ ثلاثة أوجه نَقَل الثَّالِثَ ابنُ عطية. وربما نسبه لِسِيبويهِ، وإذا كانت استفهامية جاز فيها الوجهان الأولان دون الثالث و «مِنْ جنَّةٍ» يجوز أن يكون فاعلاً بالجار لاعتماده وأن يكون مبتدأ ويجوز في «ما» إذا كانت نافية أن تكون الحجَازيَّة أو التَّمِيميَّة.
قوله:{مثنى وفرادى} إشارة إلى جمعي الأحوال فإن الإنسان إما أن يكون مع غيره فيدخل في قوله «مَثْنَى» وإن كان وحده دخل في قوله: «فُرَادَى» فكأنه قال: تَقُومُوا لله مجتَمعِينَ ومُنْفَرِدِين لا يمنعكم الجمعيَّةُ من ذكر الله ولا يحوجكم الانفراد يُعينكم على ذكر الله ثم تتفكروا في حال محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فتعلموا ما بصاحبكم من «جنة» جنون. وليس المراد من القيام القيام ضد الجلوس وإنما هو القايم بالأمر الذي هو طلب الحق كقوله:{وَأَن تَقُومُواْ لليتامى بالقسط}[النساء: ١٢٧] قال ابن الخطيب وقوله: {بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ} يفيد كونه رسولاً وإن كان يظهر من أشياء لا تكون مقدورة للبشر وغير البشر من يظهر منه العجائب إما الجن وإما الملك فإذا لم يكن الصادر من النبي - عليه السلام - بواسطة الجن بل بقدرة الله من غير واسطة وعلى