صيغةُ مبالغة كالشَّكُورِ والصَّبُورِ وهو الشيء الغائب الخَفِيُّ.
فصل
قال ابن الخطيب في يقذف بالحق وجهان: أحدهما: نقذف بالحق في قلوب المحقين. وعلى هذا تُعَلَّقُ الآية بما قبلها من حيث إن الله تعالى لما بين رسالة النبي - عليه (الصلاة و) السلام - بقوله:{إنْ هُوَ إلَاّ نَذِيرٌ} وأكده بقوله: {قُلْ مَا سَأَلْتُكُم مِّن أَجْرٍ فَهُوَ لَكُم} وكان من عادة المشركين استعباد تخصيص واحد من بينهم بإنزال الذكر عليه كما حكى عنهم قولهم: {أَأُنزِلَ عَلَيْهِ الذكر مِن بَيْنِنَا}[ص: ٨] ذكر ما يصلح جواباً لهم فقال: {قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بالحق} في القلوب (إشارة إلى أن الأمر بيده يفعل ما يريد ويعطي ما يشاء كما يريد من غير اختصاص محل الفعل بشيء لا يوجد في غيره لا يكون عالماً وإنما ذلك فعل اتفاقاً، كما يصيب السهم موضعاً دون غيره مع تسوية المواضع في المحاذاة، فقال:«بالْحقِّ» كيف شاء وهو عالم بما يفعله (دعاكم) بعواقب ما يفعله إذْ هُو عَلَاّم الغُيُوب فهو كما يريد لا كما يفعل الهاجمُ الغافلُ عن العَوَاقب.
الوجه الثاني: أن المراد منه أنه يقذف بالحق على الباطل كقوله: {بَلْ نَقْذِفُ بالحق عَلَى الباطل فَيَدْمَغُهُ}[الأنبياء: ١٨] وعلى هذا تعلق الآية بما قبلها من حيث إن براهين التوحيد لما ظهرت وشبهتهم داحضة قال: «إن ربي يقذف بالحق» أي يُبْلي باطلكم. وعلى هذا الوجه فقوله:«علام الغيوب» هو أنّ البرهان المعقول لم يقع إلا على التوحيد والرسالة وأما الحشر فلا بُرْهَان على وقوعه إلا إخبار الله تعالى عنه وعن أحواله وأهواله ولولا بيان الله بالقول لما بان لأحد بخلاف التوحيد والرسالة فلما قال: {يَقْذِفُ بالحق} أي على الباطل أشار به إلى ظهور البراهين على التوحيد والنبوة. ثم قال:«عَلَاّم الغُيُوبِ» أي ما يخبره عن الغيب وهو قيام الساعة وأهوالها فهو لا خُلْف فيه فإن اله علام الغيوب. وتحتمل الآية وجهاً آخر هو أن يقال: « {رَبِّي يَقْذِفُ بالحق} أي ما