تنبيهاً لا تفهيماً فإنه يحسن تعريف الخبر كقول القائل:«اللَّهُ رَبُّنَا ومُحَمَّدٌ نَبِيُّنَا» حيث عرف كون الله ربنا وكون محمد نبينا وههنا لما كان الناس فقراء أمراً ظاهراً لا يخفى على أحد قال: «أَنْتُم الفُقراء» وقوله: «إلى الله» إعلام بأنه لا افتقارَ إليه ولا اتِّكال إلا عليه. وهذا يوجب عبادته لكونه مُفْتَقَراً إليه وعدم عبادة غيره لعدم الافتقار إلى غيره ثم قال:{والله هُوَ الغني} أي هو مع استغنائه يدعوكم كل الدعاء وأنتم مع احتياجكم لا تجيبونه.
قوله:{إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ} وهذا بيان لِغناه وفيه بلاغة كاملة لأن قوله تعالى: {إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ} أي ليس إذهابكم موقوفاً إلا على مشيئته بخلاف الشيء المحتاج إليه فإن المحتاج إلى الشيء لا يقال فيه: إنْ شَاءَ فُلَانٌ هَدَمَ دَارَهُ وإنما يقال: لَوْلَا حَاجَةُ السُّكْنَى على الجار لِبعْتُها، ثم إنه تعالى زاد على بيان الاستغناء بقوله:{وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ} يعني إن كان يتوهم متوهم أنَّ هذا الملك كمال وعظمه فلو أذهبه لزال ملكه وعظمته فهو قادر أن يخلق خلقاً جديداً أحسن من هذا (وأجْمَلَ) .
{وَمَا ذَلِكَ عَلَى الله بِعَزِيزٍ} أي الإذهاب والإتيان. واعمل أن لفظة «العزيز» استعمله الله تارة في القائم بنفسه فقال في حق نفسه: {وَكَانَ الله قَوِيّاً عَزِيزاً}[الأحزاب: ٢٥] وقال في هذه السورة: «عَزِيزٌ غَفُورٌ» واستعملة تارة في القائم بغيره فقال: {وَمَا ذَلِكَ عَلَى الله بِعَزِيزٍ} وقال: {عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ}[التوبة: ١٢٨] فهل هما بمعنى واحد أو بمعنيين؟ فنقول: العزيز في اللغة هو الغالب والفعل إذا كان لا يطيقه شخصٌ يقال: هو مغلوب بالنسبة إلى ذلك الفعل فقوله: «وما ذلك على الله بعزيز» أي ذلك الفِعل لا يغلبه بل هو هَيِّنٌ على الله وقوله: