طريقتكم، وأسلمتم وجهكم لله، وأحسنتم فلكم الجنة، فيكون ذلك تَرْغيباً لهم في الإسلام، وبَيَاناً لمُفَارقة حالهم لحال من يدخل الجنة لكي يُقْلعوا عما هم عليه، ويعدلوا إلى هذه الطريقة.
قوله تعالى: {مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ للَّهِ} هو إسلام الفنس لطاعة الله تعالى، وإنما خصّ الوجه بالذكر لوجوه:
أحدها: لأنه أشرف الأعظاء من حيث إنه مَعْدن الحواس والفكر والتخيّل [ولذلك يقال: وَجْهُ الأَمْر، أي معظمه؛ قال الأعشَى: [السريع]
٧٤٠ - أُؤَوِّلُ الحُكْمَ عَلَى وَجْهِهِ ... لَيْسَ قَضَائِي بِالهَوَى الجَائِرِ]
فإذا تواضع الأشارف كان غير أولى.
وثانيها: أن الوجه قد يكنى به عن النفس، قال الله تعالى
{كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَاّ وَجْهَهُ} [القصص: ٨٨] ، {إِلَاّ ابتغآء وَجْهِ رَبِّهِ الأعلى} [الليل: ٢٠] .
وثالثها: أن أعظم العبادات السجدة، وهي إنما تحصل بالوجه، فلا جرم خصّ الوجه بالذكر. [ومعنى «أسلم» : خضع قال زيد بن عمرو بْن نُفَيْلٍ: [المتقارب]
٧٤١ - أوَأَسْلَمُتُ وَجْهِي لِمَنْ أَسْلَمَتْ ... لَهُ الأَرْضُ تَحْمِلُ صَخْراً ثِثالاً
٧٤١ - ب وَأَسْلَمْتُ وَجْهِي لِمَنْ أَسْلَمَتْ ... لَهُ المُزْنُ تَحْمِلُ عَذْباً زُلَالاً
فيكون المراد هنا نفسه، والأمر بإذلالها، وأراد به نفس الشيء، وذلك لايكون إلَاّ بانقياد الخضوع، وبإذلال النَّفْس في طاعة الله عَزَّ وَجَلَّ وتجنبها عن معاصيه] .
ومعنى «لله» أي: خالصاً لله لا يشوبه شِرْك.
قوله تعالى: «وَهُوَ مُحْسِنٌ» جملة في محلّ نصب على حال [والعامل فيها «أسلم» وهذه الحال حال مؤكدة لأن من «أسلم وجهه لله فهو محسن» ] .
وقال الزمخشري رَحِمَهُ اللهُ تعالى وهو مُحْسن له في عمله فتكون على رأيه مبيّنة؛ لأن من أسلم وجهه قسمان: محسن في عمله وغير محسن أنتهى.